ToGoTea

الأرشيف

positive-thoughts

استدامة الأعمال والتعافي من الكوارث، هذا اسم إحدى المواد التي حضرت جزئيها في فصلين دراسيين متتاليين أثناء دراستي للماجستير. وهي باختصار تعطي دارسها أدوات تساعده على التخطيط المحكم لتجاوز الأزمات والكوارث. ما يجعلني أذكر تلك المادة الآن في مطلع هذه المدونة القصيرة، هو حقيقة ظهور صورة معلمة المادة العجوز ساندي في مخيلتي كلما أردت أن أضرب مثالاً على الفكرة التي تقول أن مستقبل الإنسان محكوم بمدى تفاؤله. لا أعرف إذا ما زالت ساندي على قيد الحياة، لأنه أمرٌ محيّر إذا ما أخذت شخصيتها في الاعتبار، ولكنني أتفاءل بأنها حية ترزق، وأنها بحكم التخصص تنجح دائمًا من التعافي من كوارث الحياة التي تجذبها أفكارها.

أذكر أنني كنت أشفق عليها كثيراً، ليس لنحولها وبروز عظامها، ولا لطيبتها وتشتتها الجلي حال الحديث، ولكن لأنها كانت، بالنسبة لي، أول نموذج حي جعلني أفكر بالحديث القدسي القائل “أنا عند حسن ظن عبدي بي”، ومقولة “تفاءلوا بالخير تجدوه”، وكثيرة هي النصوص والأقوال التي تؤكد على أن مستقبل الإنسان رغم ضبابيته يمكن تجهيزه من خلال أفكارنا، في أدمغتنا التي نشكلها لتكون إما مصانع للحظ السعيد أو مصانع لتعاسة الحظ. يقول بوذا، “يتم تشكيلنا وفق أفكارنا، فنصبح ما نفكر به. عندما يكون العقل نقيًا، تتبعه السعادة كظل لا يغادر أبدًا”.

وفي عقل ساندي كانت تسكن كل كوارث الدنيا من حرائق وزلازل وبراكين ولصوص وحروب وفيضانات، تفكر بها كل يوم وتعلم الطلاب كيف يضعون خططاً للتأهب والتأقلم، بحيث تُمكن المنظمات، التي سيعمل هؤلاء الطلاب لصالحها بعد تخرجهم، من التعافي المبكر من المصائب وضمان استمرارية أعمالهم مع أقل قدر من الخسائر والتأثيرات المادية والمعلوماتية.

عندما كنت على مقاعد الدراسة، أخبرتنا ساندي أنها تدرس المادة منذ أربعة عشر عامًا، وهي التي أسستها في الجامعة وأضافتها إلى مواد التخصص. لم تكن معلمة سيئة على الإطلاق، بل تمكنت من جذب انتباهنا باستطراداتها بالأمثلة التي لا تنضب، ليست أمثلة من تاريخ وتجارب الشركات الكبرى وحسب، بل كانت أمثله نابعة من تجارب شخصية، فهي التي احترق بيتها مرتان، وتعرض للسطو أربع مرات، وسقط عمود كهرباء على حجرة نومها مخترقًا النافذة، وتعرضت لأكثر من عشرة حوادث سير، وكادت تغرق يومًا، وأصيبت بعيارٍ ناري طائش وهي تسير باتجاه محطة القطار في أحد أحياء العصابات وبرأسها تحوم الأفكار الشائبة وتتبعها تعاسة المصير كالظل الذي لا يغادر أبدًا.

Be Sociable, Share!

2 تعليق على أن تتحول إلى مصنع للحظ التعيس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *