ToGoTea

الأرشيف

قمت بمشاركة متواضعة في هذا التحقيق الصحفي لجريدة اليوم، مع نخبة من الزملاء. أجلبه هنا من باب التوثيق الذاتي ليس إلا.

كتاب وأدباء يختلفون حول تأثير القراء في الكتّاب واتجاهات الأدب السعودي

زكريا العبّاد وهاني الحجي- الدمام، الرياض

كيف يؤثر القراء بتوجّهاتهم المختلفة التي يعبّرون عنها عبر تعليقاتهم من خلال مواقع التواصل أو عبر أرقام شرائهم للكتب في المنتج الأدبي في المملكة؟ وما هي صور هذا التأثير؟ هذا ما تحدّث عنه الكتّاب المشاركون الذين أثروا الفكرة بالنظر إليها من زوايا متعددة، فالبعض يراه أمراً إيجابياً، وآخر يراه تأثيراً سلبياً، إلى غير ذلك من الآراء المهمّة التي نطرحها عبر هذا الاستطلاع..

  أفق التوقّع
الناقد الدكتور حسين المناصرة أكّد على أهمية القارئ، وقال: إنّ القارئ في نظريات التلقي، «استجابة القارئ»، هو الأساس في تحقيق أهمية العمل الفني ووجوده الفعلي، فلا حقيقة تداولية فعلية للنص الأدبي في غير سياق القارئ الذي لا يعد جزءًا من الكتابة أصلاً، لكنه أهم أسسها، بعد أن تنقطع صلة الكاتب بنصه بعد نشره؛ لتغدو قيمة النص بين يدي قارئ هذا النص، وهو قارئ حقيقي، وفي الوقت نفسه لابدّ أن يكون في كل كاتب قارئ ضمني أو افتراضي يكتب له الكاتب نصه، فليس هناك جدوى من وراء أي نص أدبي أو غير أدبي،  إن لم يكن هناك دور للقارئ في قراءة هذا النص وإعادة كتابته بطريقة أو بأخرى.
ويضيف: في ضوء هذا التصور، أعتقد أنّ القارئ هو العامل الحاسم في توجيه الحراك الأدبي في المملكة أو غيرها؛ لأن الكاتب لا يمكن أن يكون منعزلاً عن قارئه، وفي بعض النصوص الأدبية أو الروايات نجد أن الكتابة فيها،  تحرص على الحوار مع المتلقى، ويغير الكتاب بنيات نصوصهم الرقمية عندما يجدون تفاعلاً من المتلقين مع هذه الكتابة إلى درجة المشاركة في صياغتها، وقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي والثقافي على هذه الحوارية بين الكاتب وقرائه.
ويبيّن المناصرة أن هذا الأثر يكمن في تلبية رغبات المتلقين في مستوى كسر «التابو» مثلاً؛ فنجد كثيرًا من المبدعين يحاولون أن يثيروا غرائز متلقيهم، أو شهواتهم إلى الانتقاد لبعض الجوانب المدنية والسياسية، أو تفكيك البنية الاجتماعية من خلال تعريتها، وإبراز عيوبها… فروايات كثيرة – على سبيل المثال- لم تحظ بما حظيت به من شهرة واسعة لدى المتلقين إلا بسبب كونها غاصت في المكبوت أو المسكوت عنه، بفنية أو غير فنية!! وهذا ما يجعل الكتاب -عمومًا – يميلون إلى ما يحقق أفق التوقع لدى قرائهم،  وأحيانًا يكون هذا الأفق خادعًا،  وذلك عندما نجد العنوان براقًا مشوقًا إشكاليًا،  ثم نفاجأ بأن المتن لا يرقى إلى مستوى هذا المتن؛  فعنوان رواية «بنات الرياض» مثلاً، كان أكثر إثارة من متن الرواية العادي عمومًا. ومتن رواية «الآخرون» هو أكثر إثارة من هذا العنوان العادي جدًا.
ويختم المناصرة قائلاً: في أحيان كثيرة،  يغدو ما يثار عن ديوان شعر أو رواية في سياق التابو والمنع،  وسيلة لإشهار النص وكاتبه،  ومن ثمّ تبدو حقيقة النص لا تتجاوز عبارة قصيرة أو عدة عبارات متناثرة هنا أو هناك، ليست ذات بال في مستواها الحقيقي، وقد اعتمدت الكتابة الفضائحية كثيرًا على هذا النهج غير الفني عمومًا.

 الكفاءة القِرَائِيّة
من جهة أخرى قالت الدكتورة أسماء الزهراني: يفترض أن يؤثر القراء عبر مظاهر تلقيهم للأعمال اﻷدبية في توجيه سوق الكتابة وسوق النشر. وأوضحُ مثال يحضرني مقهى «بوكتشينو الثقافي». وهو مقهى يوزع المنتج الثقافي عبر وسائل التواصل. ويظهر تأثير مثل هذه المقاهي في ظاهرة استسهال الكتابة بسبب رواج بعض نوعيات الكتب بلا اشتراطات كتابية، لدى قراء تنقصهم الكفاءة القرائية.
وتضيف: بالمقابل يجري صنع القارئ غير الكفء وتفريغ البيئة الثقافية من العمق ومن قابلية التطوير بترويج مثل هذه النوعية من الكتب. اﻷمر اﻷصعب هو زيادة الفجوة بين القارئ العادي والمنجز الكتابي المتجاوز للعادي والمستهلك.
وتختم الزهراني قائلة: هناك نموذج مخالف يصنعه تواصل الكتاب النخبويين مع الجمهور، مثل الدكتور عبد الله الغذامي، الذي قدم نفسه وانتاجه للجمهور عبر استثمار وسائل التواصل بكفاءة. وردم الفجوة القائمة بينه وبين القارئ العادي. الطريقتان متاحة إذن، وللقارئ والكاتب أن يختار ما يلائم مستوى إنتاجه وخطه الفكري.

 التوجّهات الشرائيّة
ويرى الروائي صلاح القرشي ضآلة تأثير القرّاء على توجّه الكاتب، فيقول: الحقيقة أنني لا ألمح تأثيراً واضحاً لتعليقات القراء على المنتج الأدبي، رغم أن هنالك الكثير من التعليقات والقراءات العميقة والراقية على الأعمال الأدبية في مواقع القراءة مثل ( قود ريدز)،  لكنني لا أعتقد أن لها أثراً واضحاً كما يلمح السؤال.
ويضيف: من وجهة نظري أن التأثير الذي يمكن ملاحظته هو تأثير التوجهات الشرائية، حيث نلاحظ أن الكتابة في موضوع معين تخفت وتتلاشى مع خفوت الإقبال عليها، ولعل ابرز ما يمكن رصده في هذا الشأن هو بروز أعمال روائية في فترة معينة تعتمد على فكرة كشف المسكوت عنه ثم خفوت هذا النوع من الكتابة بعد أن قل الإقبال عليها.

عدّاد المتابعين
القاص سعيد الأحمد قال: يعتقد الغالبية أن سطوة الكاتب على القارئ نافذة دوما، وأنها تلك السطوة المطلقة للأعلى على الأدنى، بينما الحقيقة أنها سطوة تبادلية؛ سطوة ذات طرفين، فبقدر ما يتأثر القارئ في الكاتب ويقع تحت سطوة ابداعه، بقدر ما يتحول سريعا إلى سلطة خفية تضغط على الكاتب وتجعله يعيد تشكيل توجهاته والصورة الذهنية التي ارتسمت له في ذهنية المتلقي (القارئ).
ويضيف: لم يكن،  بكل تأكيد،  هذا الشيء ظاهراً ولا واضحاً كما هو الآن،  بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ويسر وصول المتلقي للملقي (اون لاين)، و بعد أن أصبح للقارئ بث مباشر لآرائه،  وبعد أن أصبح للكاتب حسابا في تويتر- كمثال- يصل إليه المتلقي ببساطة،  ويضع رأيه ليس في طروحات الكاتب فحسب،  بل في توجهاته و سلكوياته أيضاً، وهنا بالتحديد خفتت جرأة كثير من الكتاب وأصحاب الرأي،  مداهنة للمتلقي،  ونزت شجاعات جديدة لأنصاف كتاب تشهرهم شتائم القرّاء وتجعلهم يتصدرون المشهد!.
ويشير الأحمد إلى أنه: هذا ما جعل كتابا مثل محمد عبداللطيف ال الشيخ،  الذي يستلذ بشهرته عن طريق شتائم الآخرين له،  ويبادلهم شتائم مضادة تزيد من شهرته كشتّام ومشتوم،  لا كصاحب فكرة أو قضية، كون الفكرة ليست في قائمة دراياته،  والقضية ليست في قائمة اهتماماته.
ويختم قائلا: ثمة كتّاب ينجرفون خلف تطبيل العامة،  ويسلون سيوف هجوم وطعونات رجل الشارع البسيط كي يصلوا بصوته وتطبيله إلى مساحات أكثر ضوءًا،  وماجعل الغذامي- على جانب آخر- يتنازل عن تقديم نفسه كأب للحداثة السعودية،  كما فعل أو زعم كثيراً،  كي يرضي عامة تويتر ويتحاشى شتائمهم وانتقاصاتهم.  بينما نجد على الطرف المناقض للغذامي شجعاناً فارغين يستلذون بتداول أسمائهم،  وإن كان شتيمة أو انتقاصا؛ لا فرق طالما عداد المتابعين يتضخم يزداد يوماً بعد يوم!

 تأثير التقنية
وترى القاصة عقيلة آل حريز أن «الكتابة كالسحر تماماً، تغذيها الكلمات وتسقيها العيون وتحييها الهتافات.. الكتابة تبدو كالضوء تعكسه المرايا فتصقل شخوصنا من خلالها،  والكاتب لا يكتب لنفسه وحده،  إنه يخبئ بداخله مأساة تروي الحياة.
وتضيف: اليوم التغيير الحاصل صار بصورة أكبر وأوسع مما كانت عليه في السابق، فالقرّاء أصبحوا أقرب للكتّاب بسبب وسائل التواصل الحديثة بينهما، فانسحب الكاتب من عالمه المغلق وبات تعامله المباشر وتأثره بآرائهم محتملا جدا، لكن على الكاتب الناضج أن يحتفظ بخط توازن بينه وبين من يقرؤونه ومن يدفعونه للمزيد من الإبداع، فبعض التعليقات غير ناضجة، وبعض الأفكار سطحيّة، وبعضها دخيل وبعضها يعكس شريحة مهمشة.
وتوضّح آل حريز: الأكيد أن ثمة متابعين يملؤون الكاتب بالخبرات والملاحظات التي قد تغيب عن ذهنه. فالتكنولوجيا هي بالأخير حصيلة الثقافة السائدة في المجتمع الذي تسيطر عليه العولمة، وكثيرا ما نرى الوضع خرج عن السيطرة إن لم يوجد هذا التوازن، ونحن نكتب ليس لأنفسنا وإن بدأنا بها،  فكثير من الكتابات نمت واستمرت بدفع جيد من قرائنا،  ومهما كانت مستوياتنا فلا بد من نوع من التأثر الكمي والكيفي معا بهم.  ويعكس هذا مؤشر القراءة ومؤشر المطبوعات ومؤشر المبيعات ونفاذ كمياتها من السوق، وحتى المتابعات وتداول فكر الكاتب ومنهجيته.
وتختم آل حريز قائلة: برأيي أنه علينا أن نكمل تسجيل الإبداع الداخلي دون أن نحتاج انتظار انعكاس من القراء، فقد يأتي غير مكتمل النضج أو متأخرا كما حدث لكتّاب آخرين لم تظهر نتائج كتاباتهم على قرائهم إلا بعد رحيلهم، لأننا لو توقفنا ننتظر لانتهت كل ملكاتنا وكنا نتتبع التغيير لا نتقبله وثمة فرق بين الأمرين.

 تأثير متواضع
أما القاصة هدى المعجل فقالت: الذي أعتقده أن تأثير القرّاء متواضع إذا ما علمنا أن المستوى القرائي لديهم متواضع بالتالي يكون التأثير بحجم الكيف الذي يمتلكونه، ولأن الكم طغى على الكيف ترتب على ذلك تواضع تأثيرهم.
وتضيف: إذا نظرنا في نوعية الكتب المشتراة، أو المعدة للشراء، نجد هناك النوعيّات المكررة عند غالبية القرّاء العامة في تركيزهم على مواضيع تدور في فلك المجتمع دون الخروج منها أو الصعود إلى الهم الفكري والفلسفي والمعتقدي.
وختمت المعجل قائلة: من يؤثر قطعا تأثيره بحسب ما لديه من مخزون ثقافي فإذا ضعف المخزون ضعف التأثير وفي حال كان المخزون متينا نتج عنه تأثير قوي.لا أجد في ذهني الآن صوراً لتأثير تستحق أن أشير إليها أو أعرج عليها.

تأثير متبادل
وعلى العكس يرى القاص خالد الصامطي أنّ تأثير القرّاء إيجابي مهما اختلفت طرق وقنوات هذا التأثير  «سواء كان عبر حديث شخصي، أو عبر إشارة الكترونية لمنتج أدبي ما من قبل أحد القراء. الفكرة بحد ذاتها، أعني الإشارة سلباً أو إيجاباً على منتج ما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هي فكرة صحية وتثري المشهد، وتثير رغبة قارئ محتمل لاقتناء هذا المنتج».
ويضيف: ثمّة مواقع مختصة بهذا المحور، مثل موقع goodreads وهو موقع يشارك به المؤلفون والناشرون والقراء على حد سواء ويتبادلون من خلاله تجاربهم وآراءهم حول قراءاتهم.
ويختم الصامطي بالقول: تجربتي في الاطلاع على الجديد الأدبي مبنية بشكل كبير على تأثري بما أقرأه في المواقع الالكترونية وما أسمعه من الأصدقاء المهتمين بهذا الشأن، وأنا بدوري أؤثر بشكل أو بآخر على قراء محتملين جدد. ويبقى منخل الذائقة الشخصية في النهاية المعيار الوحيد الذي يرتكز عليه كل قارئ مثالي للتأثير أو التأثر.

المصدر: جريدة اليوم السعودية

http://www.alyaum.com/News/art/126697.html

Be Sociable, Share!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *