ToGoTea

الأرشيف

 

كتابتي عن الفيلم تمت بعفوية تشبه إلى حدٍّ كبير تلقائية التناقض في مجرياته، وقد أبدو متردداً في تحديد وجهة المقال والقصد منه، ثناء وإعجاب بالفكرة، بالآداء، أم نقداً لفيلم يفتقد إلى الكثير من عناصر الإقناع. أكتبُ على أيّ حال، بناءً على ما شعرتُ بهِ أثناء مشاهدته، وما فكّرتُ به، وردّة فعلي كمُشاهدٍ عاديّ، والإنطباع العام الذي بقي لديّ بعد أن فرغتُ من الفيلم، ومن تبعات التفاصيل العديدة والمتباينة، بين الفكرة الأصلية المُعقّدة والمُحرّضة للخيال، والمَشاهد الجميلة والأخرى الارتجالية بل والمجّانية.
حمل الفيلم مسمّى (منزل البحيرة) وتم إخراجه على يد المُخرج الأرجنتيني (أليخاندرو أغريستي) وهو من بطولة الثنائي الذي قدّم لنا فيلم (سبيد) في جزئه الأول، الممثلَين الأمريكيَين الوسيمَين ”كيانو ريفز” الذي لعب في هذا الفيلم دور المهندس المعماريّ الشاب “آليكس وايلر”، والممثلة الفاتنة ذات الحضور الرشيق والطفولي “ساندرا بولوك” حيث أدّت دور الطبيبة الشابة “كيت فوستر” التي بدأت العمل حديثاً في أحد مستشفيات شيكاغو.

يبدأ الفيلم عند انتقال الطبيبة كيت من سكنها بحزنٍ وتردد، حيث ستفارق منزل البحيرة، ذلك المنزل الزجاجيّ من جهاته الأربع، العائم بأعمدتهِ على ضفّة بحيرة مشيغان، بدت كيت تعيسةً وهي تودع المنزل في جوٍّ صيفيٍّ عليل ونقيّ، بصحبة كلبها “جاك”، لتسكن في شقةٍ قريبةٍ من المستشفى، مقرّ عملها. وما هي إلاّ مشهدين حتّى تعود الكاميرا بنا إلى منزل البحيرة، وقد بدا هذه المرّة وكأنه مهجور منذ سنوات، يتوقف مالكه الجديد المهندس المعماري آليكس بشاحنته الصغيرة المحمّلة بالأمتعة، وفي طقسٍ شتويّ مُثلج يقوم آليكس بنقل أغراضه إلى داخل منزل البحيرة، ليبدأ العمل على تنظيفه وإصلاح أعطابهِ وتجديد طلائه حتى عاد صالحاً للسكن، رغم أنّه منزل شفاف فاقد لأدنى درجات الخصوصية.

تعود كيت إلى منزل البحيرة وتضع رسالةً في صندوق البريد المعدني المثبّت على قائمٍ خشبيّ مغروس أمام المنزل، يشبه تماماً صناديق البريد المنحوتة في ذاكرتنا منذ أيام الطفولة حيثُ تُعرض تلك الصناديق بكثرة في أفلام كرتونية مختلفة، لتستمرّ معنا نفس الصورة التقليدية لصندوق البريد حتى نكبر ونشاهدها في هذا الفيلم دون أن تلفت انتباهنا لأنها مألوفةٌ، على الرغم من أن عتبات بيوتنا خالية من مثلها، عموماً يبدو أن الحديث عن ذلك الصندوق السحريّ سيجعلنا نستطردُ كثيراً لما يحملهُ من ارتباطاتٍ في الذاكرة.
نعود إلى كيت التي وضعت رسالتها في الصندوق، لأنها حديثة الإنتقال فهي تحتمل أن ثمة رسائل ستأتيها على عنوانها القديم، لذلك طلبت في رسالتها إلى الساكن الجديد أن يقوم بتحويل أيّ رسائل باسمها إلى عنوانها الجديد. من هنا تبدأ الفكرة بالتذبذب لدى المشاهد، وليست سوى دقائق حتّى يتضح أننا نشاهد فيلماً يحاول أن يعيد لنا عقدة التفكير في قضية أزلية، والقائمة إلى يومنا، والمرتبطة بحياتنا، والمتسببة في رسوبِ البعض في مادة الفيزياء بالمرحلة الثانوية، فكرة الزمن المعقّدة، وسرعان ما نجد أنفسنا نتذكر النظرية النسبية لآينشتاين، والضوء، وأمنيات السفر عبر الزمن. من الرسالة تتضح المفارقة لدى آليكس، فهي موقعة بتاريخ 2006 في حين أنّ آليكس يقرأها في 2004، الرسالة كُتبت في المُستقبل، سنتان تفصل بينهما. ويجمعهما صندوق البريد الذي تحوّل إلى غرفة دردشة كما يظهر للمشاهدين، الإثنان يقفان أمام نفس الصندوق، يكتبان الرسائل لبعضهما، يسألها آليكس عن المستقبل، وتخبره بأن لا جديد، وتستمرّ الأحداث بخيالها العلمي الذي ينقصة بعض الإقناع، ويتحولان إلى عاشقين مناسبين لبعضهما تماماً، فقد وُجدا في المكان الصحيح، واتضح أنهما يتفقان في عدّة أمور، علاقةٌ كانت ستبدو ناجحة وسعيدة، لولا أنهما وُجدا في توقيتٍ خاطئ، فثمة زمنٍ يحتاج إلى إعادة ترتيب، سنتان تحتاج إلى اختزال.

أنا لا أرتدي ساعة يدّ، لأنني أكره الانتظار. الانتظار ممل بالتأكيد، وسيكون مملاً ومرهقاً بشكلٍ أكبر، عندما يكونُ انتظاراً معقداً كالذي يحصلُ مع كيت وآليكس لأجل يلتقيان. فقد أصبحا كمسافرين في قطارٍ واحد يتكون من عدّة عربات مغلقة، كيت في أول مقطورة تنتظرُ وصول آليكس الذي يجلس آخر مقطورة! هذا الإنتظار الممل هو عقدة الفيلم، إلى جانب الفكرة الأساسية التي كانت ستظهر بشكلٍ أفضل لو صُححت بعض الأحداث.
نهاية الفيلم كانت سعيدة، وهي ما يتمناه المُشاهد الذي يكتفي بالتعاطف مع أبطال الفيلم، لكنها غير مُرضية لمن يبحث عن أشياء أكبر، لأنه بعد أن حاول طوال الفيلم أن يتجاوز أخطاء صغيرة تقديراً للفكرة العامة والعميقة للفيلم، سيجد نفسه أمام نهايةٍ غير منطقيّة تمّ صرفها بالمجّان لجمهور المُتابعين. وعلى أيّ حال، إذا سألني أحد عن رأيي عن هذا الفيلم بشكلٍ عام، فسأقول أن فيلما استطاع أن يجعلنا نتفاعل معه ونجاريه بالخيال والتفكير ومن ثم الكتابة عنه، هو بالتأكيد فيلم لا يخلو من متعة ويستحقّ المشاهدة.

Be Sociable, Share!

6 تعليق على The Lake House

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *