شرفني الصديق الكاتب عبدالله الزماي بالمشاركة في تحقيق قام بإعداده ونشره في جريدة الرياض، العدد 17263، الثلاثاء 29-9-2015، قد لا ينطبق عنوان التحقيق عليّ بما أنني لم أرتكب جرم الرواية بعد، وقد يكون سبب وضعه من باب الجمع مع الأغلبية بما أن ثلاثة من أصل أربعة مشاركين هم روائيون. أما محور التحقيق فقد كان كالتالي: بصفتك ساردا ولأن السرد كثيرا ما يتقاطع مع السينما ما هو الفيلم السينمائي المفضل بالنسبة لك؟ أو الذي أثر فيك بشكل عميق؟ وكيف كان ذلك الأثر؟ أرجو التحدث عن هذا الموضوع بحدود مائة كلمة.
تحقيق عبدالله الزماي
كثيرا ما تتقاطع الرواية مع السينما، وكثيرا ما اعتمد أحدهما على الآخر أو تأثر به، فيتأثر الروائي بالسينما ويتأثر السينمائي بالرواية وهكذا. “ثقافة اليوم” التقت عددا من الروائيين للحديث عن أفلامهم المفضلة تلك التي تركت في ذاكرتهم أعمق الأثر.
الروائي السعودي بدر السماري أشار عن أكثر الأفلام التي لمست بداخله أعمق المناطق، حيث قال :” هناك العديد من الأفلام التي أحببتها وأحدثت تغييرا ما علي ككاتب سردي، وسأكتفي بالحديث عن فيلم”castaway”. قصة الفيلم بسيطة، مسؤول في شركة شحن ينجو من حادث طيارة ويصبح وحيدا في جزيرة نائية لعدة سنوات، ويبقى أكثر من نصف الفيلم وحيدا. قوة هذا الفيلم تكمن في القدرة على صنع دراما بوجود إنسان واحد، وكيف أبدع كاتب السيناريو في خلق شخصية إضافية وهي كرة الطائرة التي رسم عليها البطل وجها ومنحها اسما “نيلسون”، بوجود هذه الشخصية، خلقت مع البطل العديد من المشاهد المؤثرة، وكان من أهمها حين حطمت العاصفة قارب النجاة الذي صنعه البطل للعودة، وكاد “نيلسون” (الكرة) أن يبحر بعيدا عن الشاطئ. الأمر الآخر المدهش في الفيلم هو تشبث البطل بالحياة بعد الكارثة، وكيف أصبحت الحياة ثمينة حين رأى الموت، كيف أصبح كل شيء له قيمة عند البطل نولاند؟”. وأضاف السماري :”هذا الفيلم مدرسة في صناعة الدراما وصناعة حدث دون أدوات كثيرة، الفيلم لم يكن حول كارثة تحطم الطيارة ولكن ما بعد الكارثة .. هو بلا شك أحد الأفلام المغايرة، والتي تجلى فيها الكاتب والمخرج، وعلى رأسهم المبدع “توم هانكس”، وأظن انه قدم أحد أبرز أدواره السينمائية”.
القاص السعودي خالد الصامطي تحدث عن آخر الأفلام العظيمة التي شاهدتها بقوله :” سيكون من المجحف بحق ذائقةٍ توّاقة وعين نهمة، وبحق تاريخ سينمائي مثقل بأعمالٍ خالدة، أن أفضّل فيلمًا واحدًا فقط. ولكن، سأتجاوز التفضيل وأتحدث عما شاهدته هذا الأسبوع، وهو (إن شاء الله- Inch’Allah ) فيلم من إنتاج فرنسي كندي (2012) يعرض القضية الفلسطينية من وجهة نظر “كلوي” طبيبةُ نساء وولادة وهي تزاول نهارًا مهنتها مستقبلةً الحوامل في عيادة تابعة للUN تحت الحصار والقصف والفقر حيث تتلاشى كرامة الإنسان، وفي المساء تقف في طابور أمام نقطة تفتيش جيش الاحتلال، لتعود إلى ما خلف الجدار الفاصل حيث شقتها. تحاول الطبيبة العيش بحياد مقاومة صراع أفكارها، بين صديقتها الفلسطينية “رند” الشابة الفلسطينية الحامل، وبين صديقتها وجارتها الجندية الإسرائيلية “إﭬا”. أما الأثر الذي خلفه الفيلم، هو سقيا بذرة القضية بذاكرتي، بعد أن جففت أنانية الروتين تربتها، فبعد الفيلم نمت بداخلي شجرة زيتون مرةً أخرى.
كما تحدث الروائي الكويتي عبدالوهاب الحمادي عن عدد من الأفلام العالمية وأنه يعيد مشاهدة بعضها كثيرا. يقول :” ثمة مخرجين لا أترك لهم فيلما إلا وأنتظر عرضه وإن عرض أعدته مثنى وثلاث ورباع الخ…منهم؛ وودي آلين الساخر اليهودي/النيويوركي الذي عشق جزيرته التي تحكم العالم ماليا. ستيفن سبيلبيرج والإثارة الغامرة في أفلامه مثل؛ كاتش مي إف يو كان وغيرها والتي لا تفلت من مبحث يدعو للتفكير كفيلم ميونخ. مارتن سكورسيزي وتعاونه مع روبرت دينيرو ثم المبدع ليوناردو ديكابريو. وغيرهم من مخرجين. لكن ثمة مخرج ينسج أفلامه بحرفية عالية أستمتع بها وقد صنع الفيلم الأحب لقلبي: روبرت زيمكش وفيلمه فوريست غمب. الذي شاهدته -ربما- ثلاثين مرة.. منذ رأيت فوريست الصغير يركض وأنا أنسى الزمن عندما أشاهد هذه البانوراما التاريخية لوطن بطولاته هزائم في حق الإنسان. فوريست غمب يعبر كما عبر أجداده قبله محطات التاريخ الأمريكي المهمة منذ الهنود الحمر وصولا للأيدز أو الثمانينات، يشتبك في أهم اللحظات دون أن يلقي بالاً للصدفة التي رمت به. فيلم متقن استحق عليه توم هانكس الأوسكار. هناك فيلم كاست أواي لنفس المخرج والممثل وأفلام أخرى لاشك عشت معها لحظات ماتزال عالقة في الذاكرة. إلا أن صرخة: رن فوريست رن ماتزال الأثيرة لدي”.
كما اختار الروائي السعودي علوان السهيمي هذا الفيلم ليتحدث عنه بقوله :” الرجل العجوز يجلس على كرسي متحرك، تقف أمامه فتاة صغيرة وتسأله: كيف يمكن أن أكون كاتبة؟، نظر إليها العجوز وقال، إنني لست مقعدا، إن ما أقوم به حيلة، أنا أستطيع القيام الآن والركض أمامك، إنني أذهب في الأوقات التي لا يكون فيها أحد للمشي في الشوارع، إنني بهذه الطريقة، عندما أمثّل دور المقعد أتهرب من الضريبة ومن أشياء أخرى، لكنني في الحقيقة أستطيع المشي، وأجيد لعب الكرة، وأمارس حياتي بشكل طبيعي، حتى يراني أحدهم فأعود إلى كرسيّ، يمكنك أن تفكري كيف يمكنني أن أسير، وأعيش حياتي كأي سوي، فبدأت الفتاة تتخيل، فشاهدت الرجل العجوز وهو يركض ويمشي بشكل طبيعي، ويمارس حياته بكل أريحية، فذهبت، فصدمت من كلامه فذهبت إلى المنزل، في اليوم التالي عادت لتطلب منه قائلة: أريد أن أكون كاتبة؟ فرد عليها، هل تتذكرين كيف تأملت حياتي وأنا أسير على قدمي كأي إنسان طبيعي؟ قالت نعم: قال هذا ما تحتاجينه لتصبحي كاتبة، إنه الخيال، لأنني في حقيقة الأمر عجو مقعد”، بهذه الطريقة البسيطة والعميقة يعبر الممثل العجوز الأسمر مورجان فريمان لتلك الفتاة الصغيرة كيف يمكن أن تصبح كاتبة، في فيلم The Magic of Belle Isle الذي يحكي قصة كاتب روائي يريد العودة للإلهام الكتابي، فيسكن في كوخ بعيدا عن الناس بجانب أسرة مكونة من أم عازبة وثلاث فتيات، وكيف يمكنه في النهاية أن يصل إلى مراده”.
قمت بالمشاركة في تحقيق صحفي بصجيفة الحياة، أيضًا أورده هنا من باب جمع شتات المنشور، ليس إلا.
الرياض – عبدالله وافيه:
«تحول إقبال الشباب على نشر كتاباتهم بشكل كتب إلى ظاهرة لا تمكن إلا ملاحظتها، فهذا الانهماك في إصدار الكتب من شباب يرى البعض أنهم لا يزالون في طور التكوين، يثير أسئلة واستفهامات عدة، تخص التجربة التي يتكئ إليها هؤلاء عند تعاطيهم مع قضايا المجتمع، أم أن التجربة لم تعد مطلباً أساسياً للكتابة في البرهة الزمنية التي نعيشها، وهل حقق هؤلاء الشباب تميزاً جديراً بالاهتمام، أم أن كل هذه الإصدارات مجرد سحابة عابرة لم تمطر شيئاً يستحق الدراسة أو الوقوف عليها بالقراءة والنقد، بخاصة وأنهم يدفعون كلفة الطباعة مقدماً»؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها «الحياة» في ملحق «آفاق» بتاريخ 15 نيسان (أبريل) الماضي على عدد من النقاد والأدباء، وأجمعوا على أن «ظاهرة كتب الشباب تتحمل مسؤوليتها المؤسسة الثقافية وناشر مزيف». واليوم تستطلع «الحياة» آراء بعض الكتاب والكاتبات الشباب حول تلك الظاهرة، فإلى ردود الجيل الجديد.
القاص خالد الصامطي.. على الناقد المتحسر التأني
إذا لم يتمكن ذلك الشاب الصغير من طباعة إنتاجه لأي سبب كان، فيمكنه – وبحركة سبابة سريعة – أن ينشره على «الإنترنت» على مرأى الملايين وبالمجان، ويحظى بشهرته السريعة وردود الفعل التي ترضي غروره المؤقت. في الهواء نتنفس عدوى السرعة وحرية وعشوائية انتقال المعلومة، شئنا أم أبينا، فإن تلك العدوى تنتقل إلى جميع مؤسساتنا وتؤثر فيها، وتغيّر مفاهيمها وقواعدها التي ظن بعضهم أنها شريعة راسخة لا تتغير.
للأسف، ولحسن الحظ في الوقت ذاته، لم تعد مهمة غربلة الأعمال الأدبية وحراسة أبواب دور النشر موكلة، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، إلى ناشر حريص على سمعته أو على رقي ما سيتم ضخه إلى السوق، بل أصبحت الآن على عاتق المجتمع، كونها عملية تتم عبر أجيال، سينسف المجتمع أعمالاً ويرفع أخرى وستبقى ما تعمدها ذائقة ذلك المجتمع، كونه كياناً واحداً بقرائه ونقاده ودور نشره ووسائله الإعلامية.
تنازل الناشر عن دوره في تهذيب ما يتم نشره أتى نتيجة طبيعية للتغير الحاصل في مفاهيم وطريقة طرح المنتج. إن دور النشر العربية، كما هي حال الصحافة الورقية، اكتشفت متأخرة أن الإقبال على إصداراتها أخذ يقل، وأن نسبة كبيرة من القراء توجهت إلى قنوات جديدة، وأنها، أي دور النشر، لن تتمكن من جني أرباحها المعتادة أو حتى تغطية تكاليف الطباعة إذا ما استمرت في غربلة الأعمال ورفض ما لا يتماشى مع فكرها ورغبة القارئ المثالي، نظراً للوسائل الحديثة في النشر، وفي مقدمها «الإنترنت». لذا لجأت دور النشر إلى الحل الأسهل، وهو قبول كل ما يُقدم إليهم للطباعة، بل وتقديم عروض الطباعة والتسويق لها، ما قاد إلى تضخم المادة المطبوعة مع تقلص القيمة الفكرية.
أخيراً، أستطيع القول إن للجميع الحق في النشر، وللجميع الحق في تصنيف المنشور ونقده، والتاريخ في النهاية يُبقي ويزيل. وعلى الناقد والمتحسر على الواقع أن يتأنى، فنحن نمر في مرحلة انتقالية، سببتها عدوى الانفتاح والقدرة على التعبير، وربكة الناشر في المقابل وعدم قدرته على فهم عصره وتطوير أدواته، وهذه مرحلة طبيعية وستتلوها مرحلة اتزان بظهور ناشرين جدد يفهمون هذا العصر بطريقة تمكنهم من تكييف أدواتهم لتواكب تطوره السريع.
فهد الطاسان.. السعادة بالنشر هي القياس
يختلف الكُتاب بين كاتب لا يرى أنه وصل إلى مرحلة إنتاج نصه الخاص، وكاتب يرى أن لديه ما يقوله، ومن يرى أن سعادته تكمن في رؤية نتاج أفكاره بأي شكل كان.
ولا يمكن أن أختلف مع شاب صغير السن يقرر أن ينشر كتاباً طالما يسعده ويسهم في شعوره بتحقيق وجوده. لا بد هنا من غض النظر عن قيمة الإنتاج ذاته، فهذه زاوية أخرى، يمكن بها تقويم أي كتاب، حتى لو كان لأحد متمرّسي الكتابة. والذي ألاحظه من كتابات الشباب أن الغالب عليها الطابع العاطفي أو النقد المُحطم لثوابت أو أعراف عانوا اجتماعياً منها أو «الفضفضة» وإخراج المكنون. هذا له أثره النفسي الذي يمكن فهمه لو ربطناه بمقياس النفس والمجتمع، ومن الخطأ أن نربطه بمقدار نضج التجربة الكتابية. لا يمكن أن نُخرج الكتابة عن السياق العام للنسيج الاجتماعي، فهي إحدى النوافذ الإبداعية التي تظهر من خلالها عواطف أفراد المجتمع، بغض النظر عن الطبقة التي ينتمون إليها، وعن مدى الصدق فيها، لأن الصور مهما كانت خيالية إلا أنها مستقاة من الواقع، وتشير إلى هم من همومه، فالإنسان وليد بيئته. ولو كان ثمة مأخذ يمكن أن نُلقي الضوء عليه، فسيكون حضور التكلف وغياب التلقائية.
فإن يكتب «شاب» مفترض أن يكون من معانيه: حضور التلقائية وانتفاء التكلف، بحكم طبيعة التكوين النفسي لهذه الفئة العمرية، لا بد من وعي أنه في مجتمعنا يُمنَع كثير من الشباب من القول والتعبير بحرية، بحكم الأعراف التي تُثقل كواهلهم. ولهذا، فإن كتابة شاب لكتاب، يمكن تفسيرها بأنها لسانه المنطوق الذي من خلاله يمكنه إيصال صوته مُجتمعاً، أو منفذاً للبوح.
وحين تكون الكتابة إحدى المنافذ، فلماذا يجب أن نوقفها بانتقاد ربما يهدم نضجها؟ الملاحظ أن بعض الدور تجيد اصطياد المال في حضور هذه العواطف، فتشجع الشباب على كتابة إنتاجهم، وهم يتولون تسويقها، بغض النظر عن المضمون.
إن النجاح والفشل لا يهم بقدر ما يهم تحقيق الوجود والسعادة الناتجة منه. هذا ما يقاس، وهذا ما يتطور، وهذا ما يبقى مع الكاتب دائماً. الكاتب السعيد كاتب ليس مبتسماً متفائلاً بالضرورة، بل كاتب أدرك أن هذه طريقة يمكنه من خلالها التحدث بكل روحه، ولو كان أديباً أو شاعراً أو قاصاً أو شرعياً أو فناناً أو مخرجاً أو كائناً ما يقرر أن يكونه من ألوان الوجود.
منال المنيع.. الظاهرة سبيل إلى المعرفة
بصدق، ثمة تساؤل دائم يساورني، فكلما حان وقت معرض الرياض الدولي للكتاب لاحظت ازدياد كم الإنتاج الأدبي لدى الشباب، مع حرصهم على النشر من خلال الأعمال السردية، سواء رواية أم قصة، وكذلك الأعمال الشعرية. ومكمن استفهامي يكمن في المبيعات العالية لكتاباتهم!
وبحسب رأيي، أعتقد أن الكتاب وما يحويه من تفاصيل محلية بحتة يحاكي العقل بطريقة تلامس قلب الواقع المجتمعي، إضافة إلى العنوان الجريء الذي يجذب دور النشر قبل القارئ نفسه.
وأرى أن نشر تجارب الشباب المتزايد بشكل عشوائي دليل على استغلال القارئ واستغفاله، حتى وإن كان ذلك القارئ هو من يحدد جودة الكتاب من عدمه.
صحيح أن هذا الشيء يدعو إلى التفاؤل، ولا يحق لي القول إنها ظاهرة غير صحية، لكن النظر في هذه الظاهرة سبيل لمعرفة أبعاد أخر وإجابات لأسئلة تدور في المشهد. فهل غاية المؤلف الشاب الشهرة، أم وسيلة لاستعراض إبداعه؟ وأين تقع مسؤولية المؤسسات؟ والأسئلة تتوالد والمراحل تتعاقب، لنرى أي الإجابات أحق.
الحسن الحازمي.. بنو جيلي يبحثون عن حلم
يجب أولاً ألا نهمل الجوانب المشرقة في هذا الأمر، أعني تحديداً «هستيريا» إقبال الشباب على نشر مذكراتهم أو مؤلفاتهم أو إيميلاتهم أو ثرثراتهم عبر برنامج «واتساب» مثلاً. ومن تلك الجوانب المشرقة: أن الكثير من «الشخمطات» على الجدران اندثرت، فلم نعد نشاهد «عزوز تكفى سدد ديوني» أو «أبو محروم.. قلبه مغروم يا ميشو»! ومن تلك الجوانب أيضاً، أن التجارب الشبابية عموماً أصبحت تحظى بإقبال كبير وتحقق أرقاماً قياسية في المبيعات، وهذا طبعاً على حساب المنافسة الشرسة من كتب الطبخ وتفسير الأحلام.
المهم أنه من الخطأ الفادح فصل تجربتهم عن السياق العام الذي زرع فينا «الاستسهال» لا الإسهال، استسهال التكفير والفتوى والسرقة من المصلحة العامة. واستسهال مصادرة أي شيء. فمثلاً إذا كانت الجهات الرسمية نفسها تراهن على الهشاشة و تستضيف مؤلفاً في منصة كبار المؤلفين، بينما حكمت عليه قبل ذلك بأشهر بسرقة مؤلف آخر. إذاً يسهل علينا حينها أن ندرك من أين نشأت موجة كتب «المقاولات» التي علاقتها بالأدب مثل علاقة الفول بـ«الكافيار»!
وتلك الموجة امتد تأثيرها على مستوى كتاب كانوا يحسبون على مستوى النضج والتجربة، وبتنا نشاهد كتباً مثل «شقشقات» أو «واتسابات»، أو نشاهد «أدميرالاً بحرياً» يكتب مذكراته التي لم يخض فيها حرباً واحدة.
صحيح أنه ليس من مصلحة الذوق العام أن يروج أحد هذه الأيام لنصيحة تشيخوف لأحد الكتاب الشباب «لا تدع يدك تخمل. اكتب طوال الوقت طوال حياتك»، كما أنه ليس من المصلحة الحديث أن كولن ويلسون نشر «اللامنتمي» وصار نجم الدوائر الثقافية في لندن وهو في الـ25 من عمره، لكن ما أعتقده أن المشهد يصور بكاميرا مسروقة، وأن بني جيلي يبحثون عن حلم، أياً كان هذا الحلم وأياً كانت أدوات تحقيقه، فيصيبهم الذهول ويقعون في أحلام اليقظة، يريدون تغيير هذه الحياة الرتيبة، فقط بإثارة إعجاب الآخرين. ومن البديهي طبعاً، أن لكل بداية نهاية.
قرأتُ ليلة الأمس مقالاً قديمًا لغابرييل غارسيا ماركيز، الذي فارق الحياة قبل أيام وللآن لا أزال في مرحلة إنكار إذ لست متصالحًا مع فكرة كتابة كلمة “الراحل” قبل اسمه. تحدث في المقال عن المقابلة الأجمل من بين المقابلات التي أجريت معه. بحثت في الذاكرة عن المقابلة الأجمل في تاريخي القصير والمتواضع، وتذكرت هذا اللقاء الذي شرفني به الموقع العزيز على ذاكرتي والمؤثر إيجاباً بمن فيه على قلمي، موقع جسد الثقافة. أدارت اللقاء المشرفة على قسم الإعلام والصحافة “تندرا” مشكورة. ولأنني تذكرت اللقاء بعد قراءة حديث ماركيز عن يأس الكاتب من إيجاد محاورٍ جيد لإنتاج مقابلة جيدة، ولأنني أعتقد أنني حظيت بأسئلةٍ جيدة، ومحاورين محبين، كما يقول السيد غارسيا أنه إذا لم يحبك من يجري معك المقابلة، فلن ينجح في اختيار الأسئلة، وسيظل يستفزك ليخرجك من منطقة ارتياحك، ولأنني لم أنشر هنا منذ فترة، ارتأيت أن أجدد شكل الصفحة الأولى في رصيف، بإضافةٍ جديدة، أن أجلب اللقاء كاملاً هنا بالأسئلة والمداخلات والإجابات وأسماء من طرحها. أتمنى أن تكون هذه الإضافة خفيفة على القلب، كما كان لقاؤهم على قلبي. ملاحظة: حدثت أمور كثيرة ولم تكن في الحسبان على المستوى الشخصي وفي الحياة بشكلٍ عام منذ تاريخ اللقاء إلى الآن، فقد فاز النصر بالدوري وكأس ولي العهد على سبيل المثال، كان من الممكن أن أجيب بطرق مختلفة.
المصدر: إعلام وصحافة- جسد الثقافة
تاريخ اللقاء: 1-11-2011
مقدمة اللقاء بواسطة تندرا:
سيكون لنا من خلال هذا المتصفح لقاء مع أحد نجوم جسد الثقافة هو قاص لا بد لقلوبنا حين نقرأ له أن تستفيق فحروفه المشرئبة تيها تأخذ بمجامعها بساطة في السرد عمق في البعد الانساني تمكن من اللغة وحرفية في التقاط المشاهد الحياتية رغم حداثة سنه فقد استطاع تلمس دروب الابداع والسير عليها بهدوء واقتدار ممسكا بالمفردة من ذؤابتها ليضعها في مكانها يكتب حسب رأيه الذي قاله في جريدة الرياض “هذا أنا، كقاص أكتبُ ببطء وباهتمام ممل، أكتب القصّة وأنهيها ثم أكتشف بعد أكثر من شهر، وثلاثة، أنني فعلت ذلك أكثر من أربع مرات، وأنتهي بأربع نماذج مختلفة، أنشرُ آخرها في الشهر الخامس من بدء الكتابة” فقد حصل على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة بمهرجان الشباب العربي العاشر بالخرطوم والمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة التي أقامتها جمعية الثقافة والفنون بالأحساء. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “احتمال وارد” مرحبا بك خالد الصامطي في رحاب قسم الاعلام والصحافة الحوار سيكون مفتوحا للأعضاء لتقديم اسئلتهم هنا. همسة على جنب، ضيفنا يتمتع بروح فكاهة ودعابة لو وزع فقط نصفها على العالم لكفته ويل الحروب وشر الاقتتال. – بداية وكون الحوار في قسم الاعلام والصحافة لا بد لنا من التعريج إلى عالم الصحافة قليلا، حبذا لو تخبرنا عن الصحف التي تتابعها محليا وعالميا وما هي مآخذك على صحافتنا واعلامنا عموما؟
أشكر جسد الثقافة أولاً على منحي شرف هذا اللقاء، هذا المكان الذي تعلمت فيه الحوار، وقرأت في أقسامه طوال العشر سنوات الماضية حوارات لأسماء عملاقة، كان عنقي يؤلمني لكثرة التطلع للأعلى، وأجريت فيه حوارات مع أسماء حظيت بشرف التقرب من الماكثين خلفها والتعرف عليهم أكثر ليمسوا أصدقاء. لا أعتقد أن لدي من الكلام الكثير الذي يستحق منكم تكبد عناء السؤال، ولكني أعتبرها جلسة تعارف على طاولة دائرية صغيرة في مقهىً متواضع لا يقدم أكثر من قهوة سوداء وشاي بالحبق، أتبادل خلالها الحديث مع أشخاص ربما قد قابلت بعضهم وآخرين لم أقابلهم من قبل، أعرفهم على نفسي، وأنتظر فرصة حديثهم يومًا كي أسألهم في المقابل وأعرفهم أكثر. لا أنسى أيضًا أن أشكر الأخت تندرا على الترتيب والتواصل الجميل، كما أشكر كل من أدار وشارك خلف الكواليس، ومنهم مشرف القسم، غادق. أعجبتني جملة قالها كاتب أمريكي يدعى آرثر ميلر:
“A good newspaper, I suppose, is a nation talking to itself”
“الصحيفة الجيدة، على ما أفترض، هي أمة تتحدث لنفسها”
ولا أعتقد أن صحافة تضع عنوانًا مثل “تم افتتاح سجن جديد للنساء في الدمام” في الصفحة الأولى، وبالبنط العريض، هي صحافة أمة تتحدث لنفسها، بل هي أمة منصتة، وأنا أحب الإنصات، ولكن أحب أن أقرأ حديثًا يمثل صوتي حتى لو لم أقله، وفي صحافتنا، أعتقد أن رأيي واضح. عمومًا، أنا لا أتابع صحيفة بعينها، أتصفح الجرائد، أحيانًا، وفي أكثر اللحظات مللاً، الكترونيًا، غالبًا أقرأ الأخبار العالمية عن طريق موقع BBC والياهو ومدونات إنجليزية وعربية مختلفة، وبالنسبة للأخبار المحلية، فإن رتم الحياة المتسارع الآن يفرض على الشخص أن يختار ما يقرأه بطريقة تتناسب وواقعه السريع والمربك. المواقع الاجتماعية والميديا الجديدة، في أحايين كثيرة، تعمل كالمنخل فتفرز لك ما يصلح للقراءة. الناس الذين يرفقون روابط الأخبار والمقالات المهمة في تلك المواقع يجنبونك خسارة الوقت وصحة الذاكرة في قراءة ما لن تجني منه فائدة معرفية تذكر. أما الصحف الورقية فأنا أقرأها عندما يتركها الجالس قبلي في مقهى، أو أشتت، عندما لا تقوم رواية بذلك الدور، رعب المطبات الهوائية بصحيفة مجانية في طائرة.
هل يكتب خالد الصامطي في صحيفة معينة؟
حاليًا لا أكتب سوى لنفسي في مدونة رصيف، وأحيانًا أكتب في مدونات ومواقع أخرى كمدونة أشرف إحسان فقيه وجريدة إيلاف الإلكترونية. كتبت في الاقتصادية عمودًا أسبوعيًا في ملحق شباب لفترة، وكتبت في أربع مجلات عربية لمدة عام. أعتقد أنني لا أصلح للعمل الصحافي، فالكتابة لدي تعتمد على رغبة ودافع ذاتي، وأجبر ذاتي كثيرًا على ألاّ أحولها إلى مهنة.
ما البرامج التلفزيونية والاذاعية التي يتابعها خالد؟
برامج تلفزيونية: غالبًا لا شيء. برامج إذاعية: لا شيء بالتأكيد، أفتقد كثيرًا إذاعة npr، أفرح عندما أسير حذاء حي السفارات، تعمل هناك، وأستمع إلى طرف حوار مع مخرج سينمائي، أو نهاية قصة قصيرة مسجلة، وتنقطع مع زحمة طريق خريص. أتابع محطات الإعلام الجديد على موقع اليوتيوب: على الطاير، التاسعة إلا ربع، مسامير، وقنوات أخرى معظمها يتميز في حلقتين وينخفض مستواها في حلقات. دعيني أضيف على جزئية البرامج التلفزيونية، أتابع بعض الحوارات والبرامج الوثائقية على التلفاز، ولكن غالبًا ما أبحث عما أرغب مشاهدته من خلال النت. برنامج جون ستيوارت (The Daily Show) أحد البرامج النقدية الساخرة التي أحرص على مشاهدتها في فترات متقاربة.
خالد الصامطي معروف باسمه الحقيقي فلماذا لغاية الآن يكتب باسم مستعار في جسد الثقافة؟
سبنسر اسم اخترته بنفسي، هذا لا يعني أن لدي مشكلة مع اسمي الصريح، ولكن أشياؤنا جميلة وعزيزة عندما نقتنيها بأنفسنا. أشعر أن الكتابة والتبادل المعرفي بين الشخصيات الافتراضية، يكون أكثر تخلصًا من القيود والرسميات عندما يكون تحت اسم مستعار، رغم أن جميع من يتحدث إلى سبنسر، وخصوصًا في قسم القصة القصيرة، يعرف أنه يتحدث إلى خالد الصامطي. هي مجرد خدعة، تنطلي على الذات لا عليكم. وعلى أية حال، أنا لدي يوزر آخر باسمي الصريح، أستخدمه في أحيان أشعر أن الظهور الرسمي هو المتطلب، مثل هذا الحوار، وللآن لا أدري لماذا أستخدم سبنسر، ربما أستخدمه لاحقًا في الإجابة على بعض الأسئلة.
علمنا أن لديك ميولا لرسم الكاريكاتير وولعا بالسينما فهل حدثتنا عن هذه الميول وقدمت لنا نماذج من رسوماتك؟
الرسم هو أمر أمارسه قبل أن أتعلم الكتابة، أرتكبه أحيانًا عندما لا يكون للحديث معنى، ولا للقراءة قابلية. عملت كرسام كاريكاتوري لمدة عام في الملحق الثقافي بجريدة الاقتصادية، وقبلها لأعوام في رسالة الجامعة الصادرة عن جامعة الملك سعود أثناء دراستي الجامعية. هنا أرفق بعض الكاريكاتيرات المنشورة. بخصوص السينما، فأنا مولع بمشاهدة وقراءة الأفلام بشكلٍ كبير، أشاهد، في أقل الأحوال، فلمين أو ثلاثة أسبوعيًا، كنت أكتب قراءة شهرية لفيلم في مجلة لايف ستايل، وكتبت أيضًا في المدونة. صحيح أنني أهملت الكتابة عن السينما مؤخرًا، ولكن لا أعتقد أن هذا البعد سيطول. لدي أفكار لأفلام سنيمائية، وقد يظهر هذا الولع في القصص القصيرة التي أكتبها، وأشعر أنني بحاجة إلى دخول هذا العالم، ولكن سأترك ذلك للوقت والصدفة ومزاجية الفرص، كما أفعل ذلك كثيرًا. حدث أن كنتُ آكل في مطعمٍ عربي في شارع كيدزي بشيكاگو، ودخل مخرج فرنسي مع مساعدة يطلبان الإذن من مالك المطعم لتصوير مشهدٍ فيه، اغتنمت الفرصة وقدمت نفسي ككاتب، وطلبت منهم الكتابة عن الفيلم القصير الذي يصور حياة شخصية فرنسية من أصول عربية مسلمة تعيش في شيكاگو، ضحك المخرج وأخبرني أنه يحتاجني كشخصية في أحد المشاهد، حاولت التملص والتحجج بأنني لم أمثل من قبل، ولكنه أخبرني أن جرأتي بالقدوم وطلب الكتابة عن الفيلم وحدها كفيلة بأن تعطيه انطباعًا كافيًا عني، انتهيت بتصوير مشهد معهم، ودوري كان هامشيًا جدًا. عمومًا، كانت هذه هي التجربة السينمائية الوحيدة، بالإضافة إلى قصة قصيرة أعتقد أنه سيتم تصويرها في وقتٍ، آمل أن يكون قريبًا.
قصة الشهر في قسم القصة والتي كانت وقائع ليلة كشف المؤامرة وهي لك، ونقدم التهنئة، بصراحة تستاهل القصة قريبة من حياتنا يا رجل فعلا تعرف كيف تلتقط المشهد بحرفية عالية.
أشكرك على ذلك، وأتمنى أن تحوز النصوص السابقة واللاحقة على استحسانكم.
مداخلة خالد المرضي:
خالد حلينا ندردش على الطاولة.. اخرج قليلا من هنا.. ايش قهوتك.. عن الجنون مثلا.. طبعا بعيد عن الجنون في العصر الكلاسيكي لميشيل فوكو.. وبعيد عن مجنون ليلى.. وعن عقلاء المجانين وعن رجل في قريتنا يسمى بن رابعة.. في الانتباه اقصد رواية البرتو مورافيا.. يسأل مدير المصحة المجنون ليتأكد من عودته السليمة لصراط الحياة.. ماستفعل لو ورثت الملايين؟ سأشتري مقلاعا.. يجيب حسنا المقلاع يا رجل يساوي قروشا معدودة وانت معك الملايين.. فكر المجنون.. سأتزوج.. ممتاز وماذا ستفعل مع زوجتك.. سنتزوج في الكنيسة ثم ساخذها الى باريس في شهر عسل.. جميل ثم ماذا.. ساجردها من ثيابها..ساجعلها تتعرى.. انزع عنها قميصها.. حذاءها وجواربها.. سانزع سروالها الداخلي.. ثم.. حمالتها… لا صنع منها مقلاعا.. خالد.. الدهشة في خلق نهاية النص.. العسكري.. الحمار الذي القى بنفسه.. في نص ما تمثال لمطرب في مجتمع يكره ان تقام التماثيل غير مقطوعة الرأس.. تعرف: كانت التماثيل العارية تحاول ان تعيد الانسان لذاته، تنزله بغير سلم من التفكير العلوي الى خلق عصر النهضة.. ربما تعني للعين القادمة من الادغال – اقصد التماثيل – منطقة حساسة عفوا نسيت الجنون.. تعتقد مجنون مورافيا له علاقة ب.. وين اذنك يا جحا؟ خالد نحن في المقهى.. القهوة تبرد.. كتبت اليوم في الفيسبوك: شجرة البن لا تصنع لك فنجانا من القهوه! (استطراد).. خالد: لا تحاول ترتيب ما كتبت هنا، انا اسقط من يدك البوصلة لتذهب الدردشة الى سياسة الفوضى الخلاقة.. لك دفة الحوار.. انا اتناول الان قهوتي واشعل سيجارة.. تستطيع أن تستغل فترة الصمت هنا.. عدا رشفات القهوة وهمس ذكر وانثى في زاوية المقهى هناك.. خلفك.
أنت كمن يعبئ بالهندل ماطورًا يا خالد المرضي، يشحنه وهو يفكر: سيعمل بعد قليل، ستتفرقع شرارة في مكانٍ ما بالداخل، ثم يستمر صوت الفرقعة ويعمل، سوف يخرج الماء من البئر، يفكر بذلك، ويمسح العرق عن جبينه وصورة الماطور في مخيلته وهو يعمل كاملة، يعرف ما سيحدث، وسيعود ويشعل سيجارته بانتظار السقاية. إنك تجلد بالكتابة يا خالد، أنت تقرأ على المجنون بي، تأمره بالخروج من إصبعي أو تصب عليه اللعنة، وأنا في هذه اللحظة أفرك الخاتم وأبتسم، وأتذكر أنني بحاجة إلى كوب شاي بالحبق، سوف أذهب لصنع واحد، وأخرجُ إليك من إصبعي. الجو بدأ يبرد، ورائحة البلاستيك المحروق تزكم أنوف سكان الرياض، للتو خمدت حريقة استمرت لساعات في مستودعات للأقمشة في مساحة تتجاوز الخمسة آلاف متر مربع في الشفا، جنوب الرياض. وأنا أشم الرائحة من حيث أجلس. في أحايين كثيرة من هذه الإجازة التي طالت وتحولت إلى بطالة، أجلس فوق أعلى نقطة من البيت، على السقف، قد تكون الفكرة مجنونة، ولكنها حقيقة، وأنا أجلس هناك الآن وأستعد للنزول بعد قليل حيث سيؤذن للفجر. أنظر إلى أشياء كثيرة في الماحول، ورأسي لا تحتمل خفة البعد عن الجاذبية وزحمة الأفكار. أشعر برعشة، وأفكر بالفصول مثلاً، وأكتشف أن الخريف إشاعة، والربيع إشاعة، والشتاء والصيف رحلة وطن يتصاعد، يتحوّل إلى ماء يهطل، يتلقفه باعة الكلام ويعلموا أولادهم فيه السباحة، ويُعلّبون الفائض منه، يشتريه السائرون على الرصيف بمالٍ قاموا باقتراضه، ويشربونه بطعم الكلور وهم يتحدثون عن الفصول، يلتقطون صورًا لأصابعهم وهي تشير إلى الشمال، إلى حيث تمطر السماوات ماء ورد. من حيثُ أجلس، أستطيع رؤية خط سماء الرياض، الفاصل بين الظلام وإضاءة المدينة. برجا الفيصلية والمملكة بعيدان ويشعران بالوحدة، ما عندي مشكلة مع ذلك، المشكلة في كونهما طارئان على اللوحة التي أشاهدها كل ليلة مضطربة بنظام نومٍ مضطرب، لو كانوا جوقة أبراج لكان بالإمكان ملاحقة خط السماء ولتحسنت مشاعر البرجين، ولكنهما اثنان، يعرقلان الصورة من أن تكون لمدينة منتعشة وحافلة بالأضواء، إلى أن تكون مدينةً، برائحة الدخان، وتحوي برجين وعلى ما يبدو أنهما في حاجة إلى جلسات علاج نفسي. مسكينة هي الرياض! حتلاقيها منّا ولاّ من التضاعف السكاني المرعب مع صغر استيعاب بنيتها التحتية، ولاّ من السعادة التي تتعرض للمضايقة ويرحل بعضها إلى خارج أسوار المدينة، حتلاقيها منّا ولا من أن تعيش دومًا متهمةً بالملل رغم أن لا علاقة لها بالأمر!. شاي وبالحبق يتوسط كوبًا زجاجيًا كبيرًا، مطبوعةٌ عليه بصمة يدي الملطخة ببعض صدأ، بعد إمساكي بمثبت الإريل الحديدي وأنا أقف على حجرتي في الطابق الأخير. أتساءل قبل أن أهيئ مكانًا وأجلس كل ليلة، إذا ما كان منظري مقبولاً لدى أفراد الحارة أم أنهم سيقولون انهبل الولد بعد ما رجع من أمريكا! لكن ثمة أشياء تلهيني عن التفكير بالمسألة، أمور أخرى لا علاقة لها بما يعتقده الناس، الآن مثلاً ألهاني الإريل عن التفكير بالمسألة، فله تاريخ لا يمكن إهماله، لا أقصد هنا تاريخه كجهاز تم استخدامه لتقوية استقبال التلفاز، ثم اتضحت إمكانياته الأكثر وتم تطويره ليقوي أنواع أخرى من الاتصالات، ولكني أعني تاريخه كجهاز تم تركيبه فوق حجرة بسطوح البيت قبل ما يقارب العشرين عام. في حين كان عمي وبعض الجيران يتسلقون البيوت كل ليلة هادئة سبقتها عاصفة رملية أو رعدية، يحركون أرايلهم وهم يصيحون على شخصٍ في الأسفل والذي بدوره ينصت إلى شخصٍ آخر بداخل البيت يخبره عن وضوح الصورة ليرد هو من الحوش على المغامرين فوق العمارة وهكذا، كسر عمي العادة بتركيبه هذا الإريل المزود بمكينة يمكن التحكم بها من داخل البيت. وفي مساءاتٍ تلت، عندما نطيل اللعب والحديث مع الأصدقاء بعد صلاة العشاء، ثمة لحظات يتوقف خلالها شخص مختلف كل مرة في وسط الحارة، وينظر للأعلى، حيث يدور هذا الإريل ويدوزِن نفسه بكل ثقة. حسنًا، لكي اكون حقانيًا يا خالد، لم يستمر كمنظر مثير وغير مألوف فترة طويلة، فسرعان ما تمكن أغلب سكان الحارة من تحريك أرايلهم وهم يشربون الشاي في المجلس. على كلٍ، المقصود أن هذا الأريل في زمنٍ ما، ولو لفترة قصيرة، كان مشهورًا. ولا زال يقف كمحاربٍ قديم، سيكون من الدقة أن تتخيلوا محاربًا هزيلاً يلبس دروعًا أكلها الصدأ، أو تخيلوا نادي النصر ببساطة. لا أعتقد أن منظري الآن غريب ولكنه ربما يستخدم كفاصلة زمنية مستقبلاً للتذكير في سالفة: هذيك الأيام.. يوم كان خالد عاطل وانجن شوي ومن فضاوته صلّح الإريل. جبتها ع الجرح يا خالد المرضي، الجنون هو ما حدث بعد أن تعثرت في شعرة في طريقي إلى الرياض. والجنون هو ما سيستمر بالحدوث إلى أن أجد طريق العودة إلى حيث يهطل ماء الورد.
مداخلة أريج الفكر:
ماذا أضاف لك العيش في أمريكا على المستوى الشخصي والأكاديمي؟
كدت أقع وأنا أحمل اللابتوب وأفكر في خطوتي القادمة نزولاً وما أضافته أمريكا لي على المستوى الشخصي والأكاديمي، النزول من على سلم وأنت تفكر بسؤال مشابه قد يؤدي للسقوط، السقوط إلى حيث الذاكرة تبعثر ترتيب الإجابات. 99.9% مما أعتقد أنني جنيته هناك، هو من مجرد السفر، العيش، الحياة على تلك الأرض. 0.01% من الدراسة. وهذا الواحد من عشرة في المائة نسبة كبيرة بالمناسبة، فأنا درست الإنجليزية لمدة عام ونصف، ثم درست الماجستير في عامين، وخلالها بنيت ثلاثة مواقع إلكترونية، وخمسة أنظمة، وحللت مئات الأنظمة، وعملت على مشاريع خاصة بشركات أخرى، ودرست التجارة الإلكترونية، وقرأت وحللت قضايا خاصة بشركات خاسرة وأخرى رابحة، وكتبت أوراقًا عن المشروعات التقنية، سياستها، نماذجها، وفهمت مسار المعلومات في، تقريبًا، كلّ الإدارات والمؤسسات والمنشآت التي تحتوي مكاتبها على أنظمة. إذن على المستوى الأكاديمي أنا تعلمت الكثير، ولكنه مقارنة بما تعلمته من مجرد العيش هناك، لا يشكل سوى هذه النسبة الضعيفة جدًا. عندما نقرأ سير الناس القديمة، ونواجه معلومات من نوع: درس في البصرة على يد الشيخ الفلاني، ودرس في مصر على يد العلامة الفلاني، ودرس في صنعاء على يد الأستاذ الفلاني، ثم ذهب الأندلس ودرس.. إلخ، ما يجب أن ننتبه إليه ليس اسم الشيخ، ولا لما درسه المعني، ولكن ما يجب أن نفكر به بهدوء وتمعن، هو تلك المدن التي ارتحل إليها، وذابت عقليته لتتماشى مع الفكر الجمعي، وعاش بها وعايش أهلها وتعامل معهم كما يحبون أن تتم معاملتهم، هذه هي الثقافة، هذه هي المعرفة التي جناها، أما الدراسة فبإمكانه أن يجدها في أي مكان، حتى في زنزانة.
مداخلة جين آير:
اقتباس “أنظر إلى أشياء كثيرة في الماحول، ورأسي لا تحتمل خفة البعد عن الجاذبية وزحمة الأفكار. أشعر برعشة، وأفكر بالفصول مثلاً، وأكتشف أن الخريف إشاعة، والربيع إشاعة، والشتاء والصيف رحلة وطن يتصاعد، يتحوّل إلى ماء يهطل، يتلقفه باعة الكلام ويعلموا أولادهم فيه السباحة، ويُعلّبون الفائض منه، يشتريه السائرون على الرصيف بمالٍ قاموا باقتراضه، ويشربونه بطعم الكلور وهم يتحدثون عن الفصول، يلتقطون صورًا لأصابعهم وهي تشير إلى الشمال، إلى حيث تمطر السماوات ماء ورد.” من الغباء أن تسأل شخصاً يكتب مثل هذا الكلام، لماذا نكتب؟ أو إذا ما كانت الفقرة في الأعلى مُبكية؟! ولكنني أتصرف مؤخراً بغباء – مؤخراً أعني بها سنوات طويلة من عمري – لذا فتقبل سؤاليّ هاذين : لماذا يكتب سبنسر؟ ومتى يحلّ الربيع؟
لماذا أكتب؟ أستطيع أن ألعب لعبة الذكاء وأسألكِ كـ إجابة على سؤالك: لماذا يسبح السمك؟ ولماذا تحلّق الطيور؟ أستطيع أن أقول لك أنني أكتب لأن لساني جاف جدًا، وأن الكلمات تتيبس في حلقي وتتكوم ككرة شعَر وألفظها كحشرجة يصعب تفكيكها، أستطيع القول أن الحياة أصعب بلا كتابة، وأن البؤس، السعادة، الحقد، الشوق، الشك واليقين وكل ما أشعر به يوميًا يمكن أن يتحول إلى راقصة تعري تحيي حفلة عازب يودع وحدته حال الكتابة، وربما أخبرك أن أشياء كثيرة غامضة تحدث وتحتاجني كي أوضحها. أستطيع أن أقول أن عالمنا مصنوع من اللغة، والحياة قصة، أو أن اللغة هي الحياة، أو أن اللغة إذا توقفت يجمد الوقت وينتهي العالم. أستطيع أن أخبرك أنني أصل إلى مرحلة من الثقة بحيث أمسك بأذن الفكرة وأجرها خلفي وأدلها على مكانها بين السطور عوضًا من أن تقودني، أستطيع أن أشعرن أسباب الكتابة لدي كي تبدو فعلاً لا أتمكن من العيش بلا حدوثه، أستطيع أن أخبرك بأشياء مريعة يمكن أن تحدث إذا لم أكتب، ولكن، وبكل بصدق، متخلصًا من غرور اللحظة، أنا أكتب لأنني أستطيع. ويحل الربيع عندما نستحقه.
مداخلة Hannibal:
تخصص البكالريوس غريب، ممكن تشرح تداعيات الإختيار؟
بعد عامين من العمل والبحث عن قبول في جامعة بعد الثانوية، قُبلت بشكلٍ غير اختياري في كلية الزراعة، درست تيرم ثم طلبت تحويل إلى كلية اللغات والترجمة، كنتُ أرغب بدراسة اللغة الإنجليزية، ولكن المقاعد، كما أخبروني متحججين، لم تكن كافية، رغم أن ممرات وقاعات الكلية تعج بها، عرضت علي قائمة من اللغات التي تستقبل طلاب، أذكر من بينها الفارسية والتركية والألمانية والعبرية، كانت العبرية اللغة الأكثر قدرة على تحريض الفضول، فدرستها من باب قراءة هذا الكيان الجاثم على صدورنا كـ بعبع، بلغته، وفهمه، فعلت ذلك، وبعد أن تخرجت لم أستخدمها مجددًا، أسمعها الآن، أفهم ما أسمع، أقرأها وأستطيع فهم ما أقرأ، لكني لا أتمكن من استخدامها متحدثًا بسلاسة. اللغة كالشيشة، تضبط مع كثرة الاستخدام.
مداخلة جوناثن:
خالد، حضورك جميل وأنا اشكرك وكل من ساهم في جعل هذا اللقاء ممكن.. ثم أنزل من السطوح ولاتغرك أجواء الرياض هذه الايام، فلن تدوم أكثر من أسبوعين.
هل هناك أشقاء في الطريق لإحتمال وارد؟! هل أنت صحفي واعلامي أكثر من قاص وروائي؟
مرحبًا بك جوناثن، اسمك يذكرني بصديق مكسيكي زاملني في الجامعة، تزوج من أمريكية من أصول مكسيكية، كي يحصل على الجنسية ويتمكن من البقاء هناك، لكنه اكتشف بعد سنتين من الزواج أنه متورط جدًا، سافرت وهو يجاهد محاولاً التملص، صوره في الفيسبوك الآن توحي بأنه بعد لم يتمكن من ذلك. المهم، لنأتي إلى سؤالك، أعتقد أن “نعم” هي الإجابة الأنسب، ولكن متى هذه تحتاج إلى تفكير، يعتمد ذلك على مدى حماستي للموضوع خلال الأشهر القليلة المقبلة. بالنسبة لسؤالك الثاني، فأنا لا أعتبر نفسي صحفيًا ولا إعلاميًا، فإن كتبتُ ونشرت في صحيفة فأنا أستجيب لفكرة ملحة وللحظة أو لحدث يعترك ويحتاج إلى فكّ عراكه بكتابة، لك أن تقول خالد كاتب قصة رغم أنني لا أميل إلى تبني لقب قاص. وبالنسبة للرواية، فأنا لم أرتكبها بعد، ولا أدري إذا ما كنت سأفعل، إلا في حال استفزتني فكرة وتخمرت في مخيلتي مدة كافية لأن تجبرني على كتابتها، للتخلص منها فقط.
مداخلة عبير الزهراني:
يالروعة حضورك.. إمتزج الإبداع بالجمال فنتج عنه خالد الصامطي. لغة تحكي مسيرة قصة حافلة بالنجاح من خلال إيماءات قصصك أجد أن ثمة إصطباغ حقيقي تغريبي في لغتك المحكية.. وهي ظاهرة صحية، جعلت منك كاتبا مختلفا ومميزا أبصرت لك مجددا بعض القصص وإستحوذت على فكري “ترقب” و”إبن أخي يتقيأ والده” هنا إبتكار حتى بإختيار المسميات فهلا حدثتنا عن خلفية تحريرها.. أريد إستدراك أمرا قبل أن يفوتني شيء ما يثير فضولي.. ما الأسماء العالمية التي يقرأ لها الصامطي؟ مستمرون بالركض هنا.. تباعا
مرحبًا عبير، بكِ وبفرح الإطراء الذي تجلبينه معك. أشكركِ أولاً على كلّ الأشياء الجميلة التي ذكرتيها ولا أعرف كيف أردّ في المقابل. بخصوص اللمحة التغريبية التي تحدثتِ عنها، بالفعل لا أدري ما تقصدينه بالتحديد أو ما هو تعريفه وكيفيته، ومهما يكن ذلك، فهو أمر لا أتعمد فعله، أو بطريقة أخرى أقول ربما تكون سمة كتابية تقحم نفسها بدون دعوة رسمية. عندما قرأت “تغريبية” شعرتُ وكأنني طفل كسر مزهرية الجدة المحببة في بيت الجيران ويحتاج إلى ابتكار حجة سريعة، التعذر بأن ابنهم دفعني نحوها، أو أخبئ الفخار المتكسر تحت سجاد الصالة وأهرب. ولكني تمهلت حال تحليل الفكرة، وتذكرتُ أنني قد كتبتُ عن موضوع متعلق بالسرد ربما يكون له علاقة أو مسبب لما لاحظتهِ فيما أكتب، وذلك حينما تحدثت عن قلق الترجمة في السرد، وهو موضوع نشرته هنا في الجسد وفي مدونة رصيف، وأجلب لكِ منه مقطعًا ربما تجدين فيه الطفل الذي كسر مزهرية الجدة المحببة: “إن الكاتب المتمكن من لغة، أو أكثر، إلى جانب لغته الأم، المتعاطي مع ثقافات تلك اللغات الأخرى، الممارس القراءة والكتابة على دفاترها، يجد نفسه يجاهد في التعامل مع نصوصه، فهو عندما يكتب شيئًا من خصوصية ثقافته، يكون القلق لديه مضاعفًا، لأنه ودون أن يدري أمسى مهتمًا بعالمية الفهم بعد أن اعتمد عليه كثيرًا عند الحديث والقراءة والكتابة باللغة، وهنا يأتي قلق الترجمة في طوره المتقدم، ويضطر الكاتب أحيانًا أن يفكر في النّص بلغته، وبلغةٍ غير التي يستخدمها حال الكتابة، يتساءل: هه، كيف ستبدو هذه الجملة العربية بلغةِ الآخرين؟ ثم يبني نصهُ بثقافة لغتهِ ومفهومًا لدى الآخرين –إذا ما تُرجم النّص على يدِ مترجمٍ جيّد. إنّ هذه العملية تتشكلُ بتلقائيةٍ لدى ذلك الكاتب، فليس هنالك كاتب يقوم بتعقيد حالته الكتابيّة من باب التسلية! ثمة زناد يتم تفعيله داخل مركز الترجمة في المخّ، ذلك الجزء الذي يحمل التجربة اللغوية، ويعرف أن ثمة خسائر وأرباح فنيّة قد يتعرّض لها النّص وهو يتنقل بين اللغات.” بخصوص قصتَيّ “ترقب” و”ابن أخي يتقيّأ والده” هما نصّان من النصوص الأولى التي كتبتها في مسيرتي القصيرة والمتواضعة ككاتب قصة، لا توجد حكايات مهمة تصف الدوافع خلف كتابتها أو محرضة لنشأتهما، “ترقب” كان الدافع وراءه مشهد قريب مما وصف في نهاية القصة، كل ما حدث هو أنني استطردت في وصف مشاعر وتاريخ البطل قبل المشهد مما أعطى النهاية شكلاً ومساحة تأثير اعتقدت أنها أوسع إذا ما جاءت متخلصة من خلفية البطل في الحارة. عمومًا هما نصان يصوران مرحلة كتابية، وأسعدني أنهما قد نالا استحسانك، وهو أنطباعٌ لم يواجهني بمثله مع النصين الكثير. فشكرًا لك على التصريح بذلك. بالنسبة للأسماء التي أقرأ لها، فأنا أخلص للكاتب الذي يخلص معي كقارئ، فأنهش في تاريخه وأقرأ له ما أتحصل عليه. من الكتاب الذين لا يمكن أن أنسى ذكر أسمائهم حال التعرض لسؤال مشابه، ويشاركني حبهم الكثير ماركيز، ساراماغو، يوسا، تشيخوف، كونديرا، محفوظ، كازانتزاكس، والقائمة قد لا تطول الآن كثيرًا، لأنني أكتب لكِ بعيدًا عن مكتبتي المتواضعة ولا يسعني الالتفات لأقرأ أسماء الذين شاركتهم المخيلة كثيرًا، وربما أعود لهذا السؤال عندما أجدني في الوقت والمكان المناسبين لذلك. بالنسبة للكتاب المحليين، تأثرت بروايات عبده خال كثيرًا في بداية تعرفي على الروائيين المحليين وأنا أعني لحظة خروجي من هوس قراءة رواية اللغز والتشويق والقالب البوليسي كما عند أغاثا كريستي، قرأت أيضًا بعضًا من أعمال منيف وأتطلع لإكمال قراءته عندما يسمح الوقت. وإذا سألتني عما أقرأه الآن، فأنا مأخوذ بأجواء “ابن طرّاق” لـ بدر ومحمد السماري.
مشاركة غـادة:
في مكان ما، كان شخص يتحدث عن الملهمات من الجن التي أوردتها كتب تاريخ الأدب، يقول بأنها حقيقة وبأن الأعمال الإبداعية جميعا ليست سوى وشوشة جان. لم أعرف ماهي البراهين التي يقول بأنها لديه، ولكنها كفكرة استهوتني ما تتخيل شقد، وشعرتُ إزاءها بالكثير من الحماس والإثارة وعلى استعداد تام للتملص من مسؤولية أعمالي وإلصاقها على كاهل رفاقي الجن. ماذا عنك يا خالد! هل من الممكن تؤمن بنظرية كهذه؟
في التراث التهامي أيضًا ثمة الكثير من الأقاويل والأساطير التي تتحدث عن شعراء يحيون حفلات ختان أو زواج، يصعدون قبلها إلى مناطق غير مأهولة من الجبال، وينزلون مدججين بالقصائد التي لم يسمع بمثلها الناس من قبل، يرقص على وقع الطبول والأزيار الحضور نساءً ورجالاً متقابلين، ويترنم السامعين على صوت الشاعر المرافق للناي، ويتحدثون عن تلك الليالي لسنوات قادمة، تسجلها ذاكرة المكان وتنسب تميزها إلى الجن. ولكن هل الجن هم السبب؟ أم الجبل؟ أم الانفراد بالذات على قمة جبل؟ أم أن الشاعر وصل إلى مرحلة من التصوّف والعلو والروحانية بحيث يتوازى عالمه مع عوالم أخرى تتشكل فيها المفردات بصور جديدة غريبة على أذن السامع وجميلٌ وقعها بحيث لا يمكن تصديق كونها بشرية التكوين؟ لا يهم أن نشير إلى الحقيقة من بين الاحتمالات السابقة أو غير الواردة هنا، الأفضل أن تبقى هكذا، كي تستمرّ الأساطير في النموّ، ويجد الناس ما يتحدثون عنه في مواقف تشبه موقفنا هذا. إيماناتي يا غادة فضفاضة، لا أجده أمرًا يقلل من شأني بقدر ما هو أمر يجعلني أعيش بأقل قدر من الصراع مع الآخرين وأستمر بتكوين صداقات كثيرة بمختلف الأطياف. وفي مسألةٍ كهذه أنا أؤمن أن ما أكتبه، أكتبه أنا، وأنا أجلس وحيدًا أو في أماكن عامة، فوق جبل أو تحت سرير، إن كان لشيء آخر الفضل في تغيير حالتي ووصولي إلى مرحلة يمكن للكلام فيها أن يتغير للأفضل، فأنا أنسب ذلك لأشياء واقعية لدرجة لا يمكن خلطها بأمور ماورائية، أشياء مثل شاي بالحبق، أو سيجارة، أو كوب من القهوة السوداء. وسلمي لي على الجني بتاعك، أتطلع لمعرفته، وأتمنى ألا يزعجه رأيي.
مداخلة تركي الرويثي:
الرياض، هذه المدينة التي لا أحبها، هي تعلم ذلك، وأكثر من هذا، فسري قد رمي فيها “كما تقول شهادة أمي” لذلك قررت أن تنتقم من عقوقي تجاهها، كل الأشياء من حولي تشير إلى الرياض، بداية من شهادات ميلادي وزوجتي وأبنتي أيضا، وإذا ما تجاوزت الورق وومكان الولادة، تظهر الرياض في المنتصف تماما، تضحك من تجاهلي لها، هي تعلم جيدا، أن لابد في النهاية من الرياض، كل ما يممت جهة بعيدة تعود البوصلة لتشير إلى الرياض. قبل سنوات طويلة، كنا نعبر الرياض باتجاه المدينة، قادمون من الأحساء، رحلة الصيف، خلف الرياض كل الأشياء تتغير، تختفي “الطعوس” وتظهر جبال سوداء اللون، من بعيد أشاهد جبل “ضبع” شامخا يستقبل القادمين من البعيد، كل الأحداث تختلف بعد الرياض، لها طعم مختلف، حتى الضحك بعد الرياض يختلف، الرياض نقطة التحول الكبرى. لا أعلم هل تحب الرياض أن تلعب هذا الدور، أن تمارس كونها سدا منيعا بين أحدنا ورغباته، الآن تمارس الرياض نفس الدور، وإن كان الإتجاه معكوسا، من المدينة إلى الأحساء، وما زالت الرياض كما عهدتها، كل الأشياء بعد الرياض مختلفة. خالد حدثنا عن الرياض، قبل أمريكا وبعدها؟ حدثنا عن طفولتك أكثر؟ كيف كانت الأيام الأولى في أمريكا؟ لا أريد لهذا السؤال أن يخرج عن خالد؟
بين حيّ العود والعريجاء وشيكاگو. حيثُ تختلط أصوات الحكايات، وتتعثّر في بعضها. في حيّ العَود قريباً من سوق الأدوات الموسيقيّة في حِّلَّة العبيد بمدينة الرياض، نشأتُ متسلطناً بالحياة، في بيت طيني تسكنه ثلاث عائلات. بيت مزدحم بالبالغين، كنتُ الطفلَ الثاني في ذلك المنزل ذو الباب الأزرق. مررتُ إلى جواره في أحدى الإجازات التي قضيتها في الرياض عائدًا من أمريكا، أنا ووالدي، كان الباب قد تحوّل إلى الرمادي منقوشًا بالصدأ، وأطفال آخرون يجرون هربًا من السيارة، يقفون على عتبته مواربًا، ظننتُ في تلك اللحظة أنني سأموت قريبًا، فقد كانت لحظة مناسبة تمامًا لموت البطل، حيث قد اغترب وقام بإغلاق الكثير من القضايا هناك، تنفرج الحياة وتتأزم أحيانًا، يعود من أمريكا يقضي وقتًا ممتعًا مع عائلته وأصدقائه، ثم يأخذ والده ويخرجان للحديث عن الحياة والرياض وأمريكا ويشربان القهوة، ويسترجعان معًا ذاكرة الحارات القديمة، يتصالح مع كلّ شيء في الواقعين، هنا وهناك، ثم لا يعود له حاجة في النص، ويموت. ولكني لم أمت، فقد أكملت الإجازة مترقبًا إياه ولم يأتِ، ظننتُ أنني سأموت في الطائرة وأنا عائدٌ إلى شيكاگو ولكن الطائرة لم تقع في المحيط، وصلت إلى هناك أكملت دراستي، وعدت، وأخذ الكاتب، على عكس ما توقعت، بإدخال صراعات جديدة تُأزم نفسية البطل، وهي آخذة في التطور إلى الآن، لا أعتقد أن الموت، في هذه اللحظة، حلّ لإنهاء الحكاية، هنالك ملفات أخرى تحتاج إلى إغلاق. هل تعتقد أنني سأقول شيئًا جديدًا عن الرياض لا تعرفه يا تركي؟ هل تعتقد أنني سأفاجئك بها؟ ليس وسرّك مدفون في ترابها. انتقلنا، عندما كنتُ في الخامسة من عمري إلى العريجاء، وهناك أعيش وفي ذات البيت الآن. الحارة لا تزال كما هي، الفرق أنني لم أعد أعرف الكثير منهم، أخوتي الصغار يعرفون، ويلعبون الكرة في الشارع، ويصنعون من أحذيتهم أهدافاً. لم أعد أحتمل زحام الرياض، أبغضها عصرًا ومساءًا وصباحًا، ولكن في المرات القليلة التي أسير في شوارعها بعد الساعة الثانية عشرة مساءًا، عندما تهدأ شوارعها ويكون على أسفلتها العدد المناسب لاستيعابها من السيارات، تختلف الرياض، تريك أنها مدينة جميلة، مرتبة، قابلة للعيش. الرياض ليست جهنم، ولكن النائمون بها يحولونها إلى جحيم عندما يستيقظون. قد أختصر كلّ الإجابات وأقول أن العيش في أمريكا لم يأخذ من خالد الرياض شيئًا، بل هو كما كان فيها، يمارس ذات الأمور، ولكن الفرق الوحيد هو شعوره، ما يعترك بداخله، يشعر بأنه ضائع، يعيش في مدينتين، بلغتين، برؤيتين. فقدَ شماله كما تقول نانسي هيوستن، ” وإذا كان لديك أكثر من رؤية للعالم، فهذا يعني أنك، بشكلٍ ما، ليست لديك أية رؤية!” وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا بعد أن كانت تُحلل وتُحل بطريقة سهلةٍ جدًا، لم تعد كذلك أبدًا، فالطرق السهلة أصبحت سطحية، والطرق الصحيحة والعميقة لا يمكن الوصول لها في بيئة كالرياض. الأيام الأولى في أمريكا كنتُ كالذي اشترى لعبة جديدة، يلعب بها بحماسة، يجري بها، يريها أقرانه كي يغارون، فقد خرجت ومشيت وحيدًا، اقتنيت دراجة وأخذت أجدف بدواساتها على الشاطئ، وفي حارات بعيدة، توقفت في مطاعم وملاهي، تعرفت على أناس كثيرين ومن جنسيات مختلفة، لعبت بكل ما يمكن أن توصله كلمة لعب من دلالة، كنت أتفاجأ كل يوم ألف مرة بهذه اللعبة التي يمكنها أن تطير، وتسبح، وتتحدث، وتتزلج، وتغني، وترقص، وتسهر، وتصارع، وتفعل كل شيء، لعبة مذهلة لا يمكن لأي طفل الحصول عليها. وبعد الستة أشهر الأولى من وجودي هناك، بدأت أهدأ، أتعود، بدأت التآلف مع اللعبة. أتعرف تلك اللحظة التي تفكر فيها بفكّ لعبتك ومعرفة كيف تعمل؟ تلك اللحظة التي تأخذ فيها الدسميس وتبدأ بفتحها ومعرفة ما يجري بداخلها؟ وإما أن تنجح في فكها وإعادتها كي تعمل كما كانت، أو تعطلها؟ ذلك ما وصلت إليه بعد الستة أشهر الأولى، فقد هدأت وأخذت أتأمل حينها، أرى كيف تعمل هذه اللعبة، ومن حسن حظي أنني استطعت فكها وتركيبها كما كانت. ثمة أناس كنت أسمع عنهم، ممن فتحوا اللعبة، ولم يتمكنوا من إعادتها كما كانت، شعروا بالغربة والتعب، وقرروا العودة.
مداخلة التغلبي:
جميل أنت أيها الحوت. سؤالان أحمل لك، أنت كناقد لا ككاتب ما هو رأيك في القصة القصيرة العربية وبالأخص السعودية في العشرة الأعوام الأخيرة وأنت تقارنها بالقصة القصيرة الإنجليزية؟كيف ترى التسويق الروائي العربي في إبراز ما يجب إبرازه كنصيحة للكتاب صغار السن الّذين قد تهزمهم غلطة تسويقية من دار نشر رغم ابداعهم والعكس صحيح؟
القصة العربية تصل إلى السقف، بالنسبة لي كقارئ، أرى أنها أفضل من كثير من النصوص الأجنبية التي قرأت. هل العيب في اختياراتي الأجنبية، أم كثرة قراءتي للنصوص العربية، لا أدري، وليس بالضرورة أن يكون حكمًا كهذا ناتج عن عيب في قراءتي للواقع، لماذا لا نصدق أننا أفضل، لماذا لا نصدق أن القصة العربية مدهشة وتتجاوز في الطرح والعمق والغرائبية الكثير من الأطروحات الاجنبية، وأنا أعني تلك التي قرأتها بالإنجليزية والمكتوبة بتلك اللغة أو المترجمة إليها. ثم إن حكمًا كهذا ليس فقط حكمي، فقد شاهدت ذلك في عيون كتاب أجانب جلست معهم هناك، وعرضت عليهم نصوصًا عربية مترجمة، منها ما أترجم فكرته بالحديث، ومنها ما ترجمته كاملاً، ومنها ما وجدته جاهزًا بالترجمة، لقد سمعت كلمات من نوع: يا للهول، بالإنجليزي طبعًا، وبدلالة إيجابيةٍ بالتأكيد. عمومًا المسألة تعود للذائقة، وهذه ذائقتي. ما الذي ينقصنا؟ لا شيء. فقط نستمر بالمزيد من القراءة، المزيد من الانفتاح على الطرح العالمي، والمزيد من الترجمة طبعًا، فقط لكي نري العالم ما لدينا. بخصوص سؤالك الثاني، لا أجد أنني الشخص المناسب للإجابة عن سؤال كهذا، فأنا نفسي مبتدئ، ولا أملك من الخبرة في التعامل مع دور النشر كفاية أو ما يخولني للإجابة على سؤال مشابه. ولا زلت أعتقد وأؤمن أن النص الجميل، يسوق ذاته، ما يختلف هو سرعة انتشاره.
مداخلة غادق:
ما أجملك خالد من الأشياء التي تميزك أنك رجل غير مستهلك تجيد متى تحضر وأين؟ وكيف؟ من خلال هذا اللقاء خرجت بانطباع آخر عنك؛ لن أقرأ كيف يبدو شكل خالد سأكتفي بقراءة (جين آير) فالنساء أكثر قدرة منّا على قراءة كيف تبدو ضحكاتنا ورصف أسناننا وكيف نبدو في أعينهن، ولكني سأقرأ تواضعه الجميل الذي يزيده حسن على حسن (كان عنقي يؤلمني لكثرة التطلع للأعلى) التواضع ميزة من ميزات خالد الجميل لا يستصغر أحدا ولا يقلل من مستوى أحد حتى عندما ينقد فهو ينقد بشكل مهذب وأنيق (لا أعتقد أن صحافة تضع عنوانًا مثل “تم افتتاح سجن جديد للنساء في الدمام” في الصفحة الأولى، وبالبنط العريض، هي صحافة أمة تتحدث لنفسها)، استمتعت بحكايته الجميلة مع المخرج وعن الموقف الذي ذكره ؛ أحيانا الشقاوة تجلب نتائج ايجابية مذهلة شقاوة خالد من النوع الراقي غير المحرجة لصاحبها، وخالد دائما يقدم ذاته في صورة جميلة ليس فقط الجرأة وحدها قد تكون جاذبية وكاريزما خالد هي من تسلل لعاطفة المخرج فأراد التقرب منه، ليت المخرج عرف عن حكاية الاريل، الحكاية التي اعادتني للزمن الجميل عادتني إلى صوت أخي وهو ينادي من الأرض (شوية يمين أو شوية يسار) وحبيت الهايلوكس سيارتنا اللي تعلمت عليها سياقة السيارة حنيت لتلك الأيام وعصرية رمضان والإجازة والشاي بالحبق وعصريات أيام العيد، عندما يكتب خالد كأنه يكتبني يكتب ذاكرتي أيامي أحزاني وأفراحي كل الحق معه عندما قال أحب أن اقرأ حديثا يمثل صوتي! أنا أيضا ياخالد مثلك أحب أن اقرأ حديثا يمثل صوتي. يالله! على الحلة وأيام الحلة على بوفية السيد والمطعم اللي عالشارع العام كم هي لذيذة رائحة الشواء بعد الظهر، أيام ياخالد أيام والله وانقضت. خالد المبدع يكتب القصة ويرسم الكاريكاتير ويبني المواقع الالكترونية ويحلل الأنظمة (ماشاء الله تبارك الله) وأيضا يفهم العبرية ياله من جنون يشبه جنون ولعنا بالشيشة ـ طريفه تشبيهاتك ياخالد وشيكاغو كلعبة وحدها حكاية ـ طموح خالد لا يتوقف عن شهادة عليا أو بما يجيده بل ويعطيها نسبة ضئيلة من مايمكن أن يتعلمه ويجيده.. أدعو الله أن يحقق أحلامه. أسلوب لا يمل ياخالد أسلوب شيق للغاية يشبه طعم الحساء (بالذرة) لا أستطيع أن أتوقف حتى انهيه. بقي أن أسألك ياخالد عن الورطات في حياتك هل ورطك ماجد مع النصر؟ وهل ورطك سعيد الأحمد في جسد الثقافة؟ وكيف انعكست عليك رواية شارع العطايف هل ورطك عبد الله بن بخيت في كره الرياض؟أيضا بسألك عن خالد كم نسبة تركيزه في الكلاسات؟ وكيف كان مستواه أيام المراحل الأولى من الدراسة؟ أيضا تحمل سخف هذا السؤال الذي يشغلني : هل طقطقة أصابعك على كايبوردك تكاد تلحق بأفكارك؟ وكم تنتظر من الوقت قبل أن تنشر نصك؟ ولي عودة يعني ماكو فكة.. أطيب التحايا أيها النبيل..
غادق، أحيانًا نشعر أننا قريبون من كتاب ليس لأنهم جميلون، وليس لأنهم يتمكنون من سحرنا كلما قرأناهم، بل لأننا طيبون ونرى الناس بعدسةٍ نوايانا الجيدة، وفي حالتي، أشعر أن ما أكتبه لا يزال يحتاج إلى الكثير كي يصنع جمالاً ساحرًا كالذي تشعرني أنك تراه. قد أكتب شيئًا جيدًا، ولكن ليس مؤثرًا بما فيه الكفاية لكي يجعلك تكتب انطباعًا كالذي أرفقت عاليه، المسألة تجعلني أتردد، وأعيد نصاب الأشياء لأتأكد، أحسبها، أراجع ما أكتب، أقول: ربما كتبتُ أمرًا عظيمًا، أو ربما كتبتُ شيئًا عاديًا مطعم بخدعةٍ صرفية انطلت عليه وجعلته يقع في حبائلي، ولكن لا أجدُ فيما أكتب سوى ذات الأثر العادي، فأعود وأرجح كفة النوايا الجيدة، تلك التي تتمتع بها، وتوزعها على من تلتقيهم، وتجعلهم يشعرون أنهم أفضل الناس في محيطك الواسع -بالتأكيد سيكون واسعًا لشخصٍ بهكذا روح- وتجعلهم يشعرون أنهم يستحقون الابتهاج وتمنحهم الثقة في النفس، لتخفف عنهم وقع خيبات الأملٍ الصغيرة التي قد تواجههم في الطريق إلى البيت. فشكرًا لأنك طيب ومُقدّر إلى الحد الذي يجعلك تهتم بحال الآخرين حتى بعد أن يغادروك.
لنأتي الآن للأسئلة، هل ورطني ماجد مع النصر؟ ورطني ماجد مع أشياء كثير، مثلاً: شغل حيزًا جيدًا من الذاكرة، أرغمني على حبه، وقد يتمكن حتى من إسكاتي في حال الحديث عن فريقي الهلال والنصر في عهده، ولكنه أبدًا لم ينجح في توريطي بتشجيع النصر، وهنا لمحة عن الفريق الذي أشجع. وبالمناسبة، قلت لأحد الأصدقاء النصراويين قبل أيام مازحًا وساخرًا في جدالٍ حول مقياس الأفضلية بين الهلال والنصر “أنني قدمت بطلب منحة أرض، وصدرت لي. بعد تعيينها اكتشفت أنها في ملعب نادي النصر، حتى البلدية نست إنكم موجودين”، مع العذر لكل نصراوي، ولكن النصر يحتاج إلى سوبرمان، لا لكي ينقذ النادي من أعدائه، فالنادي ليس له أعداء غير من به، ولكنهم يحتاجونه أن يأتي برفقة مكنسة لكي يساعدهم على نفض الغبار عن ملعبه، يبدو أنه يؤثر على عيون اللعيبة، وطريقة تفكير إدارييه. ثم يتفرغ لتحميس رابطة مشجعيه، فجمهور النصر، بالتأكيد، في حاجة إلى من يمسّج مشاعرهم بقليل من الحماسة. من ورطني بجسد الثقافة شخص آخر غير أبي معاذ، وسأذكره لا حقًا. ولكن على ذكر الشاهين أحتاج للاستطراد قليلاً، عرفت الشاهين افتراضيًا عام الألفين في منتدىً آخر قبل المجيء إلى جسد الثقافة يدعى منتدى النخبة العربية، والتقيته شخصيًا بعد أن انتقلنا إلى الجسد، وتعلمت منه الكثير، ليس على مستوى الكتابة وحسب بل على مستويات فكرية مختلفة، وهو شخص أكن له الاحترام والتقدير والامتنان الدائم. في ذلك المنتدى كان يتواجد الشاهين، الأحمر تحت مسمى سمحان، أيمن عرفة “الهارب” والذي بالمناسبة أول من اهتم بما أكتب واستمرّ يتواصل معي بنقد بناء مشجعًا إياي على الاستمرار، كان يشارك هناك أيضًا الغالي ورقية كنعان والأصدقاء منصور العتيق، محمد حسن علوان، عائشة القصير، وأسماء أخرى لا يسعفني الوقت ولا الذاكرة في عدّها، وكنت بعد لم أتعلم الثقة فيما أكتب، كانت كتابة سطحية وسخيفة على أية حال، ومن يعلم ربما هذا ما سأشعر به حيال كتابتي الآن بعد عشر سنوات أخرى، المهم أنني كنتُ أرسم كاريكاتيرًا أسبوعيًا هناك بشخصيات من المنتدى، عوضًا عن التعقيب على النقاشات والمشادات الكلامية الساخنة بالحروف، كنتُ غالبًا ما أعقب بكاريكاتير يجسد الشخصيات الأكثر بروزًا في الموضوع، ثم تطور الأمر وأصبحت أرسم في كل مناسبة في المنتدى، أذكر أنني رسمت بورتريهًا لعبادي الجوهر حينما قام المنتدى باستضافته، المهم، في عام 2001 تعرفت على عضو هناك يدعى السنمائي، كان مهووسًا بالكوميكس، هوايته تأليف قصص ودايالوجات كوميكس وكان يحتاج إلى رسام كي يساعده في عملٍ جديدٍ له، بعد أحاديث ولقاءات ماسنجرية اتفقنا وبدأنا العمل وكان النتاج عمل كوميك يدعى (طفولتي) ولكن الرسومات ذهبت مع ما ذهب من سيرفر الجسد القديم عندما حدثت المشكلة الداتا بيس الكبرى ولا أعتقد أنه يمكن مشاهدتها الآن، محفوظة هي لدي في CD بأحدى الحقائقب القديمة. كان من المفترض أن يمتد عمل (طفولتي) إلى جزء ثانٍ ولكن أمور لا أذكرها حدثت أدت إلى طي الموضوع ونسيانه من قبلي والسنمائي، المهم ما أريد الوصول إليه، هو أن السينمائي هو من دعاني للمشاركة في جسد الثقافة بعد أن قام بنشر الموضوع هنا، كان يحدثني عن هذا المكان طوال فترة عملنا على الكوميك، وكنتُ غير مبالٍ بما يقول، فقد كانت النخبة العربية مكانًا جيدًا، عمومًا، دعوته تلك كانت من أفضل الدعوات في تاريخي، حيث كان لها تأثيرًا كبيرًا في صقل هواية الكتابة لدي. جئت هنا بداية تحت مسمى المشتاق، ثم غيرت اليوزر إلى سبنسر، وسأتطرق إلى سبب التسمية في الأجابة على د//نون فيما بعد. لا علاقة لرواية شارع العطايف بما أشعر به حيال الرياض، أنا مولود في الرياض، بيتي الذي ربيت فيه هنا، حياتي كلها في هذه المدينة ما عدا أجازات السفر وصيفيات كنا نقضيها في صامطة، والأربع سنوات الأخيرة. إن سألتني عن الـ”هوم” والتي لا تعني البيت وحسب، بل تعني البيت والعائلة والبلد، فسأجيبك “الرياض”، لذلك لا أعتقد أن كلمة “كُره” عادلة هنا، أنا لا أكره الرياض، ولكي نكون أكثر وضوحًا: أنا لا أكره الأماكن، عدم إعجابنا بالأماكن ليس لأنها سيئة، بل لأننا غير قادرين على الاستمتاع في داخلها، في حيزها، وهذه مشكلتنا، مشكلة الناس كما قلت سابقًا عندما تحدثت عن الرياض بعد الساعة الثانية عشرة مساءً في تعقيبٍ آخر هنا، المدينة جميلة، ولكن الناس كثروا، وأصبح من الصعب مشاهدة الرياض وهم يحجبونها، الناس كثروا، وغُيبت بها السعادة، السعادة البريئة التي أحب، السعادة التي لا تتحكم بها نوايا الأوصياء، السعادة التي غابت مع غياب المصالح التي أجلت في سبيل درء المفاسد. ذاكرتي بالرياض حافلة بالسعادة الوافرة، أحب هذه المدينة عندما أستعرض صورها في زمنٍ قديم، أحب الرياض في رأسي، تلك التي تذكرتها أنت وقلت الله على تلك الأيام وعصرية رمضان والإجازة والشاي بالحبق وعصريات أيام العيد، قلت الله على الحلة وأيام الحلة، قلت الله على بوفية السيد والمطعم اللي عالشارع العام كم هي لذيذة رائحة الشواء بعد الظهر، هذه الرياض التي أتذكر أنا أيضًا، والتي أعيش بها، نفسها لم تتغير يا غادق، ما تغير هم الناس بها، إما نحن أو هم، وأنا أرجح أننا جميعًا تغيرنا، ولم نعد ندل الطريق إلى الدكان حيث نرى، ونحن لا نزال فوق عتبته، السعادة توزع مجانًا على الباب.
أما تركيزي في الدراسة يكون 100% في غالب الوقت، وأهتم بمتابعة الشرح، أشارك، أكون أذكى وأنشط الموجودين في الفصل إذا رغبت بذلك، ولكني أشاغب إذا لم يقع موضوع الشرح تحت قائمة اهتماماتي، وكنت لا أذاكر، لا أحفظ، ولا أهتم بالاختبارات، لم أحصل على امتياز سوى في النصف الأول من الصف الأول ابتدائي، وبقية نجاحاتي كانت بالجيد جدًا، والجيد، والمقبول، كنت أنجح كل سنة، ولا تهتم بالترتيب على الصف، وفي الثالث ثانوي أعدت عامًا عن قصد بحجة رفع المعدل الذي كان 73% وكانت الجامعة لا تقبل من هم أقل من 80%، وفي السنة الثانية كنت أهرب كثيرًا إلى المقهى مع الأصدقاء كي أتفرج على ما إلك إلا هيفاء في القهوة، وأشرب الشيشة، ثم نجحت بالقوة بمعدل 80% في المراحل الجامعية، كنت قد نضجت، وأدركت أنني يجب أن أحفظ، أذاكر، أن أستغل فهمي للحصص وأراجعه وأكتبه على الورق في الامتحانات، لذلك كان معدلي في البكالوريوس جيد جدًا مرتفع، وفي الماستر امتياز. والحمدلله.
أمّا عن طقطقة أصابعي تتسارع مع تسارع أفكاري، عندما تلد الفكرة المكتوبة في السطر الأعلى فكرةً جديدةً حال إنهاء الفكرة السابقة تتسابق أصابعي كي لا تفقد جدّية الفكرة ومنطقيتها، كي لا يتدخل المدقق ويؤخر ترتيب الكلمات، كي أنجح في اللحاق بكامل المعنى أجعل من سيل الأفكار لحنًا على وقع ضربات الأزرار، فلا أفقد اتجاهه. بخصوص الوقت الذي تستغرقه النصوص في الكتابة، كما كتبت سابقًا وأضافته تندرا هنا في مقدمة اللقاء كاقتباس من حوار أو تحقيق في جريدة الرياض، أنا آخذ وقتي مع الفكرة أولاً، لا أبدأ بكتابتها حتى أعرف على الأقل ثلاثة أرباعها، حينها أبدأ ويُخلق خلال الكتابة مواليد جدد. أحيانًا يستمر النص لأشهر، وأحيانًا أكتبه في يوم، ثم أدققه مرتين في أسبوع أو أسبوعين، ثم أنشره عندما أثق به، ويزعجني وجوده على سطح المكتب، لأنني عندما أنشره، وآخذ في الحسبان النقد الذي يصدر بحقه، أنقله إلى ملفٍ حيث ترقد النصوص المكتملة، الجاهزة للطبع. تعبت من الكتابة الآن، ولكني لم أمل من الحديث معك، فجميلٌ هو استفزاز أسئلتك، محرضه، جعلتني أتنقل في الذاكرة بشكلٍ عشوائي متعب وخطير ومن الصعب التراجع عما ينتج عنه، ولكني، على ما أعتقد، وبدون مراجعة، لم أقل شيئًا قد أندم على قوله مستقبلاً..
مداخلة واضـــح:
أهلاً خالد.. بِقيَ أنا كنتُ أتابعُكَ مِن خلفِ السّور، وقالوا الأصدقاء لكَ كلاماً تستحقّه كَثيراً، وسألوكَ أسئلةً كانت مُتزاحِمة مع التي تَدورُ في رأسي ولَم تخرُج!، قالوها، فعرفتُ أنّهُ السّؤالَ الذي عَلِق في رأسي، وأتَى الجَواب، ليسدّ ذاك الإستفهام؟ مِثلُكَ جَميل، ويَكتُبنا، يكتُبنا بنفسِ الصّورةِ التي نَعرفُها ولا يُمكُن أن نفعلُها، يَكتبُ الأشياء التي تحدثُ يَوميّاً بشكلٍ عفويّ وتِلقائي، يكتبُ الأشياءَ المُعقّدة بعد أن يُفكّكها، ويجعلُها منثورة كَ عُقَد.، أنتَ لاتحتاجُ لمثلِ هذا الكلامِ ياخالد، تعرفُ هذا الكلامَ كثيراً، منّي ومِن مَن هُم أفضلُ منّي. ولا أقولهُ إطراءاً أو مَدحاً، ولكنّك بالفعلِ تستَحق وجَميل ونادِر. لكَ حرفٌ يُبهر بِروعته وأسلوبٌ يشدّ القارىء إلى أن يُكملَ عددَ الصّفحاتِ.. صدّقني ولا أُبالِغُ في هذا أنّي قَرأتُكَ بشكلٍ كثيف، بشكلٍ أعتقدُ أنّ حرفاً واحِداً لَم يسقُط في كِلا اليُوزرين، وأيضاً رَصيف، لَكَ أسلوبٌ جَميل، وقراءَتُكَ لا تأتي إلا تحتَ تأثيرِ أجواءٍ مُسلية. أخيراً، سأسألكَ أسئلةً مُشابهة؟
كَيفَ بدأ خالِد يكتُب؟، وكيفَ بدأ بكِتابةِ القصّة؟ وإن استشرتهُ في أنّني أحدُ الذينَ يُريدونَ أن يكتُبُوا قِصّةً، ماذا سيُشيرُ علي؟ وهل كِتابةُ القصّة مُكلِفة وخَطيرة إلى الحدّ الذي يجعلُني أهُمّ بها ثُم أتردّد، كالذي يتوضّاً ثُم يخرجُ من منزلهِ مُتّجها إلى المَسجد وفي مُنتَصفِ الطّريق يسمعُ الإمام : يُسلّم، ثُم يعودُ، وقد لايُصلّي!؟ وكَيفَ أكتبُ قِصّةً وأحبِكُها؟ مامُتطلّباتُها؟ وكيفَ أبرهِنُها على الوَرق؟
ثُمّ – كيفَ أمريكا؟ هل علّمتكَ شيئاً يختلفُ عن الرّياض؟ ماذا علّمتَك؟ وماذا علّمتَها؟ وهل ستعودُ لها؟ أم أنّكُما وعدّتما بعض بزِيارةٍ خاطِفة ولِقاءٍ عندَ أقربِ فُرصِة؟ علّمني عنكَ هُناكْ هل كُنتَ صديقاً لهُم؟ وصادقوك؟
أنتَ صديقٌ نادِر ياخالِد، وقريبٌ من رُوحي كَثيراً، رَسمتُكَ، وأدعوا الله أن يُكمّل لكَ حياتُكَ وجَميعَ أحلامِكَ يارَب. مِثلُكَ لايُنسى، لأنّ قلبهُ أبيض. وأنتَ مَن علّمني الطّريقَ : إلى الجَسد! وأنا مدَينٌ لكَ بالكَثيرِ من الأشياء والعَفو والشّكرَ ياجَميل. الأشياءَ التي لَن أنساها أبداً وسأظل أذكُركما وأحتفي بكُما كلّما طرأتُم على الذّاكرة! شُكراً ياصديقي، وأعتذرُ أن طوّلت.. والشّكرُ أيضاً لتندرا وغادِق، الـ يقفونَ خلفَ هذا الجَمال.. شُكراً لكُم يا أصدَقاء
مرحبًا واضح، أشكرك في البداية على كرم تعقيبك والكلام الكبير الذي أستغربه دائمًا، وأشعر أنه غير موجه إلي، أنظر إليه ثم إلى يساري ويميني وأنا أردد أنني لستُ المقصود هنا، فقط كي لا أمنح لنفسي أحقية التأثير عليك، على قراراتك، على ما تريد أن تفعله، على كتابتك، لأن الكتابة يا صاحبي هي نتاج تفاعلك أنت مع واقعك، صحيح أن الواقع هو المحرك لهذا التفاعل، وأنا جزء من الواقع، ولكنك المحلل له، ولست أنا، أنت من يعرفك أكثر. وعندما أتحدث عن تحكمك بواقعك، قد لا يبدو لذلك أي علاقة مع الكتابة، ولكنك لو تدقق لوهلة ستجد أن الكتابة هي في الأساس فهم وقراءة للواقع، الكتابة بكل فنونها. عندما بدأت الكتابة، كنتُ أظن أن ترتيب الكلمات بطريقة محددة هو فقط ما يصنع الفارق، هو ما يصنع الكاتب، ولكن ذلك أسوأ شيء يمكن أن يعتقده من يهم بكتابة نص. لأن ترتيب الكلام مسألة قد يجيدها أي أحد، ما يجب أن تعرفه جيدًا، وأردده كثيرًا، وأتمنى من كل من يسألونني على الخاص، ومن يرسلون إلي نصوصًا، ومن ينتظرون مني التعقيب على نصوصهم، ومن يظنون أن رأيي في نصوصهم هو الذي يصنع الفرق، أتمنى منهم جميعًا أن يعوا ذلك جيدًا، المسألة يا صديقي هي في قدرتك أنت على قراءة الواقع، في مستواك المعرفي، في سعة اطلاعك أنت، عندما تقرأ وتقرأ ثم تقرأ مرةً أخرى ستجد نفسك يومًا مدججًا بسلاح من الكلام، من المعرفة، من المخزون اللغوي الذي لن يخونك عندما تشرع في كتابة نص، وتجد أن الكتابة فعل سلس، وأن تعبيرك لن يخونك يومًا، بل إنك تصل إلى مرحلة من الثقة تخون فيها أنت التعبير وتتكبر عليه، وتضحك عليه ثم تربت على كتفه وتقول لا تقلق كنت أمزح معك فقط. وعندما أقول سعة الاطلاع والقراءة، فإن ذلك ليس فقط على مستوى الكتب والأوراق والتجارب السابقة، بل على مستوى الحياة اليومية، في أكثر التفاصيل دقة، من ردود أفعال الناس الذين تتعامل معهم، من تفاصيل وجوههم عندما تقول حكاية ما، من انطباعاتهم، من الدوافع التي جعلتهم يتصرفون بالشكل الذي تشاهده. عندما تتعلم تحليل الشخصيات، التصرفات، عندما تفهم لماذا يخطئ الشخص ولماذا يصيب، لماذا تقع التفاحة، ولماذا ترتد الكرة للأعلى، لماذا تتشقق الأرصفة، ولماذا يبول السكارى في سراويلهم، ولماذا يتوقف المطر عن الهطول، لماذا تتشكل الفقاعات في حوض الاستحمام، لماذا يهز صديقك كتفه الأيسر عندما يكذب، ولماذا يهرش أنفه عندما تواجهه بكذبته، عندما تستطيع تحليل الأمور، أو تقترب من تحليها، عندما تفكر بهذه الطريقة، تستطيع أن تكتب، وعندما تصف أمرًا وتشرح الدوافع خلفه، أنت تمسك القارئ من يده، وتجعله يسير بنفس طريقة تفكيرك، حتى يصل إلى النتيجة التي تريد أنت أن توصلها إليه في السطر التالي، ويشعر أنه يعرف ذلك، وأنه هو أيضًا قد يكتشف ذلك، أنه يقرأ لشخصٍ يفهمه، تشعره بذكائه وعبقريته وقدرته على فهم خبايا الأمور، رغم أنه، ربما، في بعض الحالات، لا يمكن له أن يصل إلى تلك النتيجة بدونك، بدون كتابتك، ولكنك أقنعته بطريقة سردك ومسار أفكار النص، جعلته يؤمن بفكرتك أكثر مما تؤمن بها أنت. إذا فعل أحدهم كلّ ما سبق (وهو أمرٌ يستغرق فعله سنوات لمن بدأ من الصفر، هكذا استيقظ وقرر أن يكون كاتبًا بلا مقدمات، وبدأ بالتمهيد لذلك)، أقول إذا فعل أحدهم ذلك، ولم يتمكن من التأثير وخلق المفاجأة ورضا القارئ فيما يكتب، فله أن يستمر بالكتابة إن كان بإمكانه الاستمرار دون وجود ردود فعل إيجابية، أن يحاول دون يأس، أو، له أن يتوقف، ويكتفي بالقراءة، يكتفي بالاستمتاع بأفكاره المبتكرة والخاصة، أفكاره التي لم يتمكن القراء من التفاعل معها، يكتفي بفهم الأمور والأحداث دون الحاجة إلى شرحها إلى أحد، ويبحث عن هواية أخرى يقضي بها وقت فراغه. أعتقد أن كلّ ما ورد أعلاه يجيب على المقطع الأول من أسئلتك. أتمنى أن تكون إجابتي وافية. بالنسبة إلى أمريكا، تحدثت عنها كثيرًا على ما أعتقد، وسأقوم بعمل إعلاني وأرفق رابط السلسلة التدوينية (الحبق الحافي) تحدثت خلالها من أمريكا وعنها وعن أصدقائي هناك كثيرًا. بالتأكيد تعلمت الكثير، وما تعلمته لا أستطيع حصره في حوار يا صاحبي، ما تعلمته ولازلت أتعلمه أكتشفه كل يوم وأعقد في عبوة رأسي جلسات مقارنة عاجلة بشكلٍ دائم مع كل تصرفٍ أقوم به هنا، مع كل حدثٍ يواجهني، وأفكر بتيارين فكريين، وأضيع بين النتائج. نعم لدي الكثير من الأصدقاء والصديقات هناك، وكثير منهم وصلت معه إلى درجة من القرب والتفاهم لم أصله مع أصدقاء عرب. أفتقدهم؟ نعم. أتواصل معهم؟ نعم، وأهاتفهم ويهاتفوني، ونتحدث عن يومٍ نجتمع فيه مرةً أخرى في حفلة (ريونيون) في مكانٍ ما في العالم، في أمريكا ربما، أو نلتقي في دولةٍ تسمح جيوبنا بدفع تذاكر الوصول إليها. هل سأزور أمريكا مرةً أخرى؟ بالتأكيد أفكر بذلك دائمًا، فقد عشت هناك، والمكان الذي تعيش به وتترك به أصدقاء لم تنقطع أواصر علاقتك بهم، مكان تركت به شجرةً من الأصدقاء وحديقة من الذكريات، بالتأكيد ستكون فكرة زيارته مرةً أخرى لسقاية الشجرة والجلوس على أطلال الحديقة فكرةً ملحة. واضح، أنت صديق جميل، وروحك طاهرة، طيبة، وأتمنى أن أتمكن من التأثير الإيجابي عليك كما تتوقع مني، وأتمنى أن تجد طريقك نحو الكتابة بنفسك، اكتب، حاول أن تتلمس طريقك بنفس طويل، تتعلم من النقد هنا، من النقد على نصوص أخرى، ولا تنسى أولاً وأخيرًا: القراءة وأن تعيش حياتك كما ينبغي، أن تفهم محيطك، كي تستطيع وصفه يومًا لقارئ لم يزره. شكرًا لك بحجم طيبتك ونقائك.
مداخلة عيون القلب:
مرحبا أيها السبنسر، مرحبا بفتى السطوح، مصادفة حلوة أن قرأت هذا الصباح للحلوة غيدا اليمني. أتابع مدونة تعنى بترجمة قصص وأشعار وتراجم لأدباء عبريين، وبيني وبينك ما حبيته كثير. دراستك للعبرية هل قربك من الأدب العبري؟ إذا نعم، فإلى أي حد؟ حدثنا عن الباد بوي خالد؟ خالد الذي تطفي الليت مشان ما نشوفه. أسوأ مافيك. عيوبك. أخطاؤك الجسيمة. وأخطاؤك التي لابأس من ارتكابها.
ممتع ما كتبته غيدا يا عيون، شكرًا على إرفاقه. نأتي الآن للأسئلة: في فترة من فترات دراستي، عندما كنتُ أدرس الترجمة الأدبية، وقرأت حينها العديد من الأعمال القصصية المتوافرة على الشبكة، أعجبني الكثير من النصوص، وحدث أن قمت بترجمة نصين للعربية وعرضتها في إحدى جلسات جماعة السرد بنادي الرياض الأدبي، حيث قام الصديق فهد الرويتع بترجمة نصين آخرين. عمومًا كما قلت، أعجبني ما قرأت حينها، سبب عدم إعجابك، ربما يعود إلى ذائقة المترجم، يختار نصوص غير جيدة، أو إلى أن الترجمة غير جيدة. بخصوص خالد الذي أُطفئ الضوء كي لا تروه، أكون ساذجًا إذا تحدثتُ عنه الآن، الحديث عن الأخطاء يتم بين الأصدقاء وفي الجلسات والمحادثات الخاصة مع أناس يمونون، أما في اللقاءات الصحافية والعامة لا يظهر سوى ملائكة، فلنحافظ على هذه العادة يا عيون.
مداخلة د//نون:
(يا متَرَا سكّي سكّي).. يا للمطر هذا ما أذكره كلّما رأيتُ الاسم Spenser وأذكر أيضاً قراءةً جميلة لحكايةٍ جميلةٍ أحببتها للفيلم (بيت البحيرة)، أحبّ الأقلام الرائقة التي تشعر بسلالستها عندما تقرأ، وسبنسر هو أحدها.. لم أكن أعلم أنه (خالد الصامطي)، جميلٌ أن نعرف هذا.. لكن أفضّل أن يبقى (سبنسر) هو الموجود هنا، يعجبني أن نتعامل مع الأقلام هنا ككائناتٍ من عالمٍ آخر بلا أسماء مألوفة ولا ألقاب ولا جنسيات.. نحسّ بذلك في كل مرةٍ نزور المكان بأننا في سياحة استجمام إلى عالمٍ آخر نهرب إليه من عالمنا الواقعي. لم أقرأ كافة الحوار هنا، إن كانت أسئلتي مكررة أرجو أن لا تثقل على نفسك بالإجابة عنها. الأخ (سبنسر).. من أين أتى الاسم؟ مالمؤلّفات ومن هم الكتّاب الذي ساهمت قراءتك لهم بتأسيس ثقافتك الأدبية؟ ما مدى إيمانك بأهمية الإحاطة اللغوية للكاتب بقواعد الإملاء والنحو والبلاغة في كتاباته؟ كيف ترى أنّ حياة الكتاب السعوديين في الغربة أثّرت أو ستؤثّر على نتاجهم الأدبي؟
مرحبًا د//نون، أشكرك على حضورك وعلى السؤال، بعض الأسئلة تعرضت إلى أجوبتها خلال الحوار، لذلك ستكون إجابتي مختصرة. أتى الاسم (سبنسر) من فيلم كنت أشاهده، الشخص “الكويس” كان اسمه سبنسر، وكنت في صدد إنشاء حساب في أحد المواقع فاخترته. لا توجد أي قصة أو علاقة أقوى من مجرد فيلم شاهدته وأعجبت بشخصية البطل. ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، سير شخصيات تاريخية ودينية، وروايات بوليسية، هكذا كانت قراءاتي وأنا صغير، بالإضافة إلى المناهج الدراسية وعصريات تحفيظ القرآن، كل هذه القراءات ساهمت بشكلٍ كبير في ثقافتي الأدبية. ثم مع ظهور النت فتح لي آفاق أخرى، وعرفني على كتاب جدد، وقرأت مؤلفات لأسماء قمت بسردها في إجابتي على عبير الزهراني، وأضيف عليها الآن: الطاهر بن جلون، ابراهيم الكوني، ابراهيم أصلان، أمين معلوف، حنا مينا، الطاهر وطار، ومن الأسماء العالمية: جون شتاينبك، توني موريسون، هيرمان هسه، غونتر غراس، أورهان باموق وغيرهم. أنا أؤمن أنه يجب على الكاتب على الأقل الإحاطة بالقواعد النحوية والبلاغية، تلك التي يؤثر الخطأ فيها ويغير منطق النصوص. أما الإملاء، فالبعض يعتقد بعدم تأثيره، ولكن بالنسبة لي، أهتم به، ويؤثر على تقبلي للنصوص المقروءة. وبالمناسبة قمتُ بنشر موضوع في قسم القصة عن أهمية وتأثير اللغة في محاكمة النصوص وتقبلها هنا
مداخلة أسمى:
أمس تذكرت آخر قصة قرأتها لك.. أشعرتني الذكرى أن اللون الذي يصم التاريخ به القصص الراسخة يوهَب أحايين _ في الزمن الحاضر_ لكن بنطاق محدود، محدود جداً، وربُّ سردكَ المُدهش.
أسمى. أحاول جاهدًا على عدم الاستمتاع بردود الإطراء، أفكر: ربما أخسر هذا الشعور، الشعور الذي يخلفه تعقيب جيد، ربما أخسره إذا ما استمتعتُ به زيادة عن اللزوم، ربما أصل إلى مرحلة أتوقعه دائمًا، ومن ثم يلسعني رد سلبي يُفقدني الثقة، لأن الكتابة حساسة، ليس من يكتبون، بل الكتابة ذاتها حساسة، والتأثير على ثقة الكاتب يعني عدم مجيئ الكتابة عندما يريدها. أقول، أنني أحاول جاهدًا عدم الاستمتاع، ولكن مع تعقيبٍ كالذي أرفقتِه، لا أملك إلا أن أفرح متحججًا بالعيد غدًا، في حين أنه عيدي الصغير هنا، فشكرًا لكِ. أخيرًا، أشكر جسد الثقافة، أشكر القائمين على الحوار، تندرا ومشرف القسم غادق، أشكر كل المتداخلين هنا، أشكر القراء، وأتمنى أن يكون في الأجوبة ما يفيد، أنا بالفعل أرجو أن أكون على “قد” التوقعات. وكلّ عام وأنتم بخير، عيد أضحى مبارك
خاتمة تندرا:
نعم قد كنت فوق التوقعات يا أستاذ خالد واسمح لي اخاطبك بأستاذ فقد قرأت الأستذة المتوارية خلف تواضعك الذي يشف عن انسان شفاف، حساس للكلمة واللون وللنغم، مثقف من طراز رفيع قاص قريب من قرائه حتى ليكاد يلامس دقائق يومهم بتفاصيله. شكرا للوقت الذي منحتنا إياه، شكرا لكل ما قدمته لنا من جمال. كل عام وأنت جميل وبخير، عساك من عواده.
قمت بمشاركة متواضعة في هذا التحقيق الصحفي لجريدة اليوم، مع نخبة من الزملاء. أجلبه هنا من باب التوثيق الذاتي ليس إلا.
كتاب وأدباء يختلفون حول تأثير القراء في الكتّاب واتجاهات الأدب السعودي
زكريا العبّاد وهاني الحجي- الدمام، الرياض
كيف يؤثر القراء بتوجّهاتهم المختلفة التي يعبّرون عنها عبر تعليقاتهم من خلال مواقع التواصل أو عبر أرقام شرائهم للكتب في المنتج الأدبي في المملكة؟ وما هي صور هذا التأثير؟ هذا ما تحدّث عنه الكتّاب المشاركون الذين أثروا الفكرة بالنظر إليها من زوايا متعددة، فالبعض يراه أمراً إيجابياً، وآخر يراه تأثيراً سلبياً، إلى غير ذلك من الآراء المهمّة التي نطرحها عبر هذا الاستطلاع..
أفق التوقّع
الناقد الدكتور حسين المناصرة أكّد على أهمية القارئ، وقال: إنّ القارئ في نظريات التلقي، «استجابة القارئ»، هو الأساس في تحقيق أهمية العمل الفني ووجوده الفعلي، فلا حقيقة تداولية فعلية للنص الأدبي في غير سياق القارئ الذي لا يعد جزءًا من الكتابة أصلاً، لكنه أهم أسسها، بعد أن تنقطع صلة الكاتب بنصه بعد نشره؛ لتغدو قيمة النص بين يدي قارئ هذا النص، وهو قارئ حقيقي، وفي الوقت نفسه لابدّ أن يكون في كل كاتب قارئ ضمني أو افتراضي يكتب له الكاتب نصه، فليس هناك جدوى من وراء أي نص أدبي أو غير أدبي، إن لم يكن هناك دور للقارئ في قراءة هذا النص وإعادة كتابته بطريقة أو بأخرى.
ويضيف: في ضوء هذا التصور، أعتقد أنّ القارئ هو العامل الحاسم في توجيه الحراك الأدبي في المملكة أو غيرها؛ لأن الكاتب لا يمكن أن يكون منعزلاً عن قارئه، وفي بعض النصوص الأدبية أو الروايات نجد أن الكتابة فيها، تحرص على الحوار مع المتلقى، ويغير الكتاب بنيات نصوصهم الرقمية عندما يجدون تفاعلاً من المتلقين مع هذه الكتابة إلى درجة المشاركة في صياغتها، وقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي والثقافي على هذه الحوارية بين الكاتب وقرائه.
ويبيّن المناصرة أن هذا الأثر يكمن في تلبية رغبات المتلقين في مستوى كسر «التابو» مثلاً؛ فنجد كثيرًا من المبدعين يحاولون أن يثيروا غرائز متلقيهم، أو شهواتهم إلى الانتقاد لبعض الجوانب المدنية والسياسية، أو تفكيك البنية الاجتماعية من خلال تعريتها، وإبراز عيوبها… فروايات كثيرة – على سبيل المثال- لم تحظ بما حظيت به من شهرة واسعة لدى المتلقين إلا بسبب كونها غاصت في المكبوت أو المسكوت عنه، بفنية أو غير فنية!! وهذا ما يجعل الكتاب -عمومًا – يميلون إلى ما يحقق أفق التوقع لدى قرائهم، وأحيانًا يكون هذا الأفق خادعًا، وذلك عندما نجد العنوان براقًا مشوقًا إشكاليًا، ثم نفاجأ بأن المتن لا يرقى إلى مستوى هذا المتن؛ فعنوان رواية «بنات الرياض» مثلاً، كان أكثر إثارة من متن الرواية العادي عمومًا. ومتن رواية «الآخرون» هو أكثر إثارة من هذا العنوان العادي جدًا.
ويختم المناصرة قائلاً: في أحيان كثيرة، يغدو ما يثار عن ديوان شعر أو رواية في سياق التابو والمنع، وسيلة لإشهار النص وكاتبه، ومن ثمّ تبدو حقيقة النص لا تتجاوز عبارة قصيرة أو عدة عبارات متناثرة هنا أو هناك، ليست ذات بال في مستواها الحقيقي، وقد اعتمدت الكتابة الفضائحية كثيرًا على هذا النهج غير الفني عمومًا.
الكفاءة القِرَائِيّة
من جهة أخرى قالت الدكتورة أسماء الزهراني: يفترض أن يؤثر القراء عبر مظاهر تلقيهم للأعمال اﻷدبية في توجيه سوق الكتابة وسوق النشر. وأوضحُ مثال يحضرني مقهى «بوكتشينو الثقافي». وهو مقهى يوزع المنتج الثقافي عبر وسائل التواصل. ويظهر تأثير مثل هذه المقاهي في ظاهرة استسهال الكتابة بسبب رواج بعض نوعيات الكتب بلا اشتراطات كتابية، لدى قراء تنقصهم الكفاءة القرائية.
وتضيف: بالمقابل يجري صنع القارئ غير الكفء وتفريغ البيئة الثقافية من العمق ومن قابلية التطوير بترويج مثل هذه النوعية من الكتب. اﻷمر اﻷصعب هو زيادة الفجوة بين القارئ العادي والمنجز الكتابي المتجاوز للعادي والمستهلك.
وتختم الزهراني قائلة: هناك نموذج مخالف يصنعه تواصل الكتاب النخبويين مع الجمهور، مثل الدكتور عبد الله الغذامي، الذي قدم نفسه وانتاجه للجمهور عبر استثمار وسائل التواصل بكفاءة. وردم الفجوة القائمة بينه وبين القارئ العادي. الطريقتان متاحة إذن، وللقارئ والكاتب أن يختار ما يلائم مستوى إنتاجه وخطه الفكري.
التوجّهات الشرائيّة
ويرى الروائي صلاح القرشي ضآلة تأثير القرّاء على توجّه الكاتب، فيقول: الحقيقة أنني لا ألمح تأثيراً واضحاً لتعليقات القراء على المنتج الأدبي، رغم أن هنالك الكثير من التعليقات والقراءات العميقة والراقية على الأعمال الأدبية في مواقع القراءة مثل ( قود ريدز)، لكنني لا أعتقد أن لها أثراً واضحاً كما يلمح السؤال.
ويضيف: من وجهة نظري أن التأثير الذي يمكن ملاحظته هو تأثير التوجهات الشرائية، حيث نلاحظ أن الكتابة في موضوع معين تخفت وتتلاشى مع خفوت الإقبال عليها، ولعل ابرز ما يمكن رصده في هذا الشأن هو بروز أعمال روائية في فترة معينة تعتمد على فكرة كشف المسكوت عنه ثم خفوت هذا النوع من الكتابة بعد أن قل الإقبال عليها.
عدّاد المتابعين
القاص سعيد الأحمد قال: يعتقد الغالبية أن سطوة الكاتب على القارئ نافذة دوما، وأنها تلك السطوة المطلقة للأعلى على الأدنى، بينما الحقيقة أنها سطوة تبادلية؛ سطوة ذات طرفين، فبقدر ما يتأثر القارئ في الكاتب ويقع تحت سطوة ابداعه، بقدر ما يتحول سريعا إلى سلطة خفية تضغط على الكاتب وتجعله يعيد تشكيل توجهاته والصورة الذهنية التي ارتسمت له في ذهنية المتلقي (القارئ).
ويضيف: لم يكن، بكل تأكيد، هذا الشيء ظاهراً ولا واضحاً كما هو الآن، بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ويسر وصول المتلقي للملقي (اون لاين)، و بعد أن أصبح للقارئ بث مباشر لآرائه، وبعد أن أصبح للكاتب حسابا في تويتر- كمثال- يصل إليه المتلقي ببساطة، ويضع رأيه ليس في طروحات الكاتب فحسب، بل في توجهاته و سلكوياته أيضاً، وهنا بالتحديد خفتت جرأة كثير من الكتاب وأصحاب الرأي، مداهنة للمتلقي، ونزت شجاعات جديدة لأنصاف كتاب تشهرهم شتائم القرّاء وتجعلهم يتصدرون المشهد!.
ويشير الأحمد إلى أنه: هذا ما جعل كتابا مثل محمد عبداللطيف ال الشيخ، الذي يستلذ بشهرته عن طريق شتائم الآخرين له، ويبادلهم شتائم مضادة تزيد من شهرته كشتّام ومشتوم، لا كصاحب فكرة أو قضية، كون الفكرة ليست في قائمة دراياته، والقضية ليست في قائمة اهتماماته.
ويختم قائلا: ثمة كتّاب ينجرفون خلف تطبيل العامة، ويسلون سيوف هجوم وطعونات رجل الشارع البسيط كي يصلوا بصوته وتطبيله إلى مساحات أكثر ضوءًا، وماجعل الغذامي- على جانب آخر- يتنازل عن تقديم نفسه كأب للحداثة السعودية، كما فعل أو زعم كثيراً، كي يرضي عامة تويتر ويتحاشى شتائمهم وانتقاصاتهم. بينما نجد على الطرف المناقض للغذامي شجعاناً فارغين يستلذون بتداول أسمائهم، وإن كان شتيمة أو انتقاصا؛ لا فرق طالما عداد المتابعين يتضخم يزداد يوماً بعد يوم!
تأثير التقنية
وترى القاصة عقيلة آل حريز أن «الكتابة كالسحر تماماً، تغذيها الكلمات وتسقيها العيون وتحييها الهتافات.. الكتابة تبدو كالضوء تعكسه المرايا فتصقل شخوصنا من خلالها، والكاتب لا يكتب لنفسه وحده، إنه يخبئ بداخله مأساة تروي الحياة.
وتضيف: اليوم التغيير الحاصل صار بصورة أكبر وأوسع مما كانت عليه في السابق، فالقرّاء أصبحوا أقرب للكتّاب بسبب وسائل التواصل الحديثة بينهما، فانسحب الكاتب من عالمه المغلق وبات تعامله المباشر وتأثره بآرائهم محتملا جدا، لكن على الكاتب الناضج أن يحتفظ بخط توازن بينه وبين من يقرؤونه ومن يدفعونه للمزيد من الإبداع، فبعض التعليقات غير ناضجة، وبعض الأفكار سطحيّة، وبعضها دخيل وبعضها يعكس شريحة مهمشة.
وتوضّح آل حريز: الأكيد أن ثمة متابعين يملؤون الكاتب بالخبرات والملاحظات التي قد تغيب عن ذهنه. فالتكنولوجيا هي بالأخير حصيلة الثقافة السائدة في المجتمع الذي تسيطر عليه العولمة، وكثيرا ما نرى الوضع خرج عن السيطرة إن لم يوجد هذا التوازن، ونحن نكتب ليس لأنفسنا وإن بدأنا بها، فكثير من الكتابات نمت واستمرت بدفع جيد من قرائنا، ومهما كانت مستوياتنا فلا بد من نوع من التأثر الكمي والكيفي معا بهم. ويعكس هذا مؤشر القراءة ومؤشر المطبوعات ومؤشر المبيعات ونفاذ كمياتها من السوق، وحتى المتابعات وتداول فكر الكاتب ومنهجيته.
وتختم آل حريز قائلة: برأيي أنه علينا أن نكمل تسجيل الإبداع الداخلي دون أن نحتاج انتظار انعكاس من القراء، فقد يأتي غير مكتمل النضج أو متأخرا كما حدث لكتّاب آخرين لم تظهر نتائج كتاباتهم على قرائهم إلا بعد رحيلهم، لأننا لو توقفنا ننتظر لانتهت كل ملكاتنا وكنا نتتبع التغيير لا نتقبله وثمة فرق بين الأمرين.
تأثير متواضع
أما القاصة هدى المعجل فقالت: الذي أعتقده أن تأثير القرّاء متواضع إذا ما علمنا أن المستوى القرائي لديهم متواضع بالتالي يكون التأثير بحجم الكيف الذي يمتلكونه، ولأن الكم طغى على الكيف ترتب على ذلك تواضع تأثيرهم.
وتضيف: إذا نظرنا في نوعية الكتب المشتراة، أو المعدة للشراء، نجد هناك النوعيّات المكررة عند غالبية القرّاء العامة في تركيزهم على مواضيع تدور في فلك المجتمع دون الخروج منها أو الصعود إلى الهم الفكري والفلسفي والمعتقدي.
وختمت المعجل قائلة: من يؤثر قطعا تأثيره بحسب ما لديه من مخزون ثقافي فإذا ضعف المخزون ضعف التأثير وفي حال كان المخزون متينا نتج عنه تأثير قوي.لا أجد في ذهني الآن صوراً لتأثير تستحق أن أشير إليها أو أعرج عليها.
تأثير متبادل
وعلى العكس يرى القاص خالد الصامطي أنّ تأثير القرّاء إيجابي مهما اختلفت طرق وقنوات هذا التأثير «سواء كان عبر حديث شخصي، أو عبر إشارة الكترونية لمنتج أدبي ما من قبل أحد القراء. الفكرة بحد ذاتها، أعني الإشارة سلباً أو إيجاباً على منتج ما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هي فكرة صحية وتثري المشهد، وتثير رغبة قارئ محتمل لاقتناء هذا المنتج».
ويضيف: ثمّة مواقع مختصة بهذا المحور، مثل موقع goodreads وهو موقع يشارك به المؤلفون والناشرون والقراء على حد سواء ويتبادلون من خلاله تجاربهم وآراءهم حول قراءاتهم.
ويختم الصامطي بالقول: تجربتي في الاطلاع على الجديد الأدبي مبنية بشكل كبير على تأثري بما أقرأه في المواقع الالكترونية وما أسمعه من الأصدقاء المهتمين بهذا الشأن، وأنا بدوري أؤثر بشكل أو بآخر على قراء محتملين جدد. ويبقى منخل الذائقة الشخصية في النهاية المعيار الوحيد الذي يرتكز عليه كل قارئ مثالي للتأثير أو التأثر.
المصدر: جريدة اليوم السعودية
http://www.alyaum.com/News/art/126697.html
أحدث التعليقات